الأحد، يوليو 09، 2017

رواية: من طوخ إلى النمسا...أيام لا تنسى (7)




كعادتى كل صباح ذهبت الى جريدة ال Kurier ، وكعادتى احاول العثور على وضع قدم وسط جحافل من البشر ، وكان كالعادة الزحام رهيب ، وأنواع البشر مختلفة اللغات ، البلدان ، الطباع ، هناك من يبتسم لك ، فإذا تزاحم الناس نفس الشخص يريد أن يدهسك ، يخرج الشيف منتفخ الاوداج ، يلقى علينا بنظرة ، يتبعها باشارة من يديه حفظناها عن ظهر قلب ، من يريد البروميس تكيت يرفع جواز سفرة ، وهاهو ينتقى كما يشاء بلا رقيب ، أو ضابط ، ونظر لى يبدو انه حفظ وجهى جيدا No . فتأشيرتى تتناقص أيامها ، والعمل يبدو لى هنا سراب ، وضياع وقت ، وكلى املى الحصول على هذة الورقة الصغيرة التى يكتب عليها ( أعدك بمكان ) وأطلت الانتظار وانتهت مهمةالشيف ، واختفى عن الأنظار ، وقررت أطاله الوقت هنا ، حتى الثانية مساء موعد ترجيع الجرائد وتصفية الحسابات واستلام الستلات .. عالم غريب رأيت مصريين قد يصل عددهم الى عشرة أفراد ، وحوالى 5 هنود كل مهمتنم تنظيم الصفوف امام الكمبيوتر ، واستلام المرتجعات من الجرائد والمجلات ، ومنهم من يكنس المكان ، ومنهم من يجمع الكارنيهات ، ومنهم من يترجم للشيف من عربيه الى المانيه وبالعكس ، 

رأيت عمالقة بيع الجرائد فى جريدة الكورير منهم ماهر ، ورفاعى ، ومحمد زكى ، ومجدى ، ورمضان ، وتحدثت الى بعضهم من فضلكم أنتم قدامى وعلى علاقة بالشيفات أوجدوا لى مكان أو فرصة عمل فى بيع الجرائد .. النظرات واحدة ، والرفض واحد ، نحن لا نتدخل .. مباشرة معهم .. ورايت من يبيع الجرايد المصريه بثلاث شلنات أهرام ، جمهوريه ، اخبار وكل ماياتى مع القادمين من مصر ، واخرين يفترشون يبيعون ساندويتشات الفول والطعمية وحاجة ساقعة ، او شاى ، وهناك من يقف ليبيع تذكرة سفر لمصر ، وبيع التذاكر سهل ففى مطار ڤيينا لايهم اسم صاحب التذكرة ، ولا علاقة له بالاسم فى جواز السفر ، تأتى الناس بتذكرة ذهاب وإياب ، اول حاجة يبيعها تذكرة الاياب ، ولن يمل سيجد عندما يسافر تذكره يسافر بها ، وهكذا فعلت انا شخصيا بتذكرتى . وهناك من يفترش الارض ارهاقاً ، وخارت قواة من سوء الطقس وطوال الوقت ولم ينام جيدا ، ارتموا على الارض يجففون جواربهم التى بللته الأمطار ، تجمعوا حول الدفايات ، حتى تجف الأحذية ، والجوارب وملابسهم التى يرتدونها ، عالم غريب أتطلعت على خفاياه . وهذا يغير دولارات ، وهذا يشترى او يبيع جنيهات مصريه تجنبا لعمولة البنوك . 

وألقيت نظرة على مكاتب الشيفات ، فمن لدية برومييس تكيت يقف فى هذا الصف امام هذة السيدة لتستخرج له كارنيه .. هذة السيدة ألقيت عليها اكثر من مرة تحية الصباح ، وهى تأتى كل صباح متخطية الزحام الرهيب وتحمل سلة من القش مغطاة بمفرش صغير ازرق اللون .. انها تتحدث الانجليزية ووجهها بشوش ...وقفت أتأملها طويلاً .. كأنى أُناجـيها ، وقررت أن اكتب لهذة السيده رساله بالانجليزية ...... فالحديث معها شفويا وسط الزحام لن يفيد . 


عُدت الى السكن عاقداً العزم على تسطير سطور لهذة السيدة صاحبة السلة المغطاة بمفرش أنيق أزرق ، وفجأة يدخل علينا أحد الزملاء ( سيد أشتغل مكانى الليلة فلدى الليلة موعد عاطفى ) وترك لى الجاكيت ، والكاب ، والعنوان . ولا املك الا ان أقول نعم ، وحاضر فمن هذة الأموال ادفع تكاليف السكن اليومى ، ويتبقى حوالى 20 شلن أو يزيد لا أصرف شيئاً ، وعرفت أرخص سوبر ماركت فى فيينا بعد نفاذ الكعك ، والبسكويت ، ومعلبات قها من مربى وسردين . والله يسامح من امتدت يدة فى غيابى ودون أذنى الى حقيبتى مما أدى الى سرعة نفاذ الاحتياطى الاستراتيجى . تضايقت ولزمت الصمت ، وما حاولت العتاب ، الحمد لله مالى ودولاراتى وجوازى وأثبات السكن و6 صور شخصية داخل حافظة جلدية مُعلقة فى رقبتى ، لا تفارقنى عند النوم ، او اليقظة ، عند دخول الحمام ، أو عند تغيير ملابسى . 

دخل مجدى وظهرت علية علامات الضيق ، وأخذ يتسائل من شُرِب من زجاجة الكاكولا الخاصة بى .. لا احد يستطيع أن يتهمنى بشيء ، صاحبنا مجدى يلح فى السؤال ، فهو قبل مغادرة الغرفة يعطى علامة بالقلم .. وأصحابة يوميا ينهلون منها وما نقص منها يُستكمل بالماء ، لكنهم هذة المرة أصابهم النسيان ..سحبت نفسى والى حديقة تجاور البيت جلست اكتب رسالتى ودموع الياس تخالطني .بلا تردد كتبت أول كلمة عرفتها فى فيينا Bitte ورددتها مئات المرات دون جدوى .. يوميا أتردد على الجريدة ولى أسابيع طويلة ، اكاد افقد الأمل .. ساعدينى انا طالب جامعى مصرى وفيزتى على وشك الانتهاء .. اريد الرجوع الى القاهرة بذكرى جميله عن ڤيينا .. ولابد من العوده قبل نهاية العام .واختتمتها بكلمة Bitte 

وضعت الرسالة فى مظروف ابيض دون أن ألصقها وبين طيات جواز السفر فى الحافظة التى تتدلى من رقبتى وضعتها . ذهبت الى بيع الجرائد فى المساء وعدت الى النوم وغطيت فى النوم من الإرهاق الشديد ، وفجأة سمعت ضجيج شديد كأنه كابوس ، نهضت من نومى مفزوعاً ، ثلاث رجال بوليس يفتشون على الجوازات وتسجيل السكن ، وبطاريات قوية فى أيديهم ، نظر الى جوازى والفيزا واعاد لى الجواز . وسمعت أصطحبوا معهم شخصين لا معهم فيزا ولا تسجيل سكن .. الليلة قلق .. ما عرفت النوم .. حتى جاء الصباح فهرولت كعادتى بعد غسيل وجهى وبقايا من طعام الامس الجاف .. وطوال الطريق الى الجريدة وانا فى حيرة ، واستفسارات هل ستأتى هذة السيده اليوم ، كيف أسلمها الرساله ، كيف سترد ، وكالعادة المكان مكتظ بطالبى وعد العمل ، نفس الملل ، نفس الوجوه ، نفس الاجساد المُتعبه .. تزاحمت وسطهم .. وخرجت من وسطهم .. سانتطرها قبل دخولها الجريدة ، الواجب الا يرانى احد ، فقد لا تقبلها منى ، وقد لا تاتى أصلاً ، ماذااقول لها ؟ وفجأة لمحتها بنظارتها، أقبلت ناحيتها وامتلكت نفسى ، وأمسكت الرساله بيدى ، وانا أتصبب خوفاً وعرقاً .... وبكلمات انجليزية بسيطة كرسالتى ... صباح الخير يا سيدتى ... رساله منى ، وساأنتظر وسط الناس خارج الباب .. 


سلمتها رساله منى ، وأضطربت نفسى ، وحالتى النفسية لا أقوى على وصفها ، بين اليأس والرجاء ، بين الخوف والانفراج ، بين الاحباط ، وبريق أمل أتشبث به ، كغريق يمد يدة لما يطفو أمامى على سطح بحر متلاطم الامواج ، لا أعرفه. ومابين الناس من قلق ، وعيون مضطربة ، وعقول مشتته ، بدايات وعرة لطريق مجهول .ماذا ترانى فاعل بعد هذة الخطوة لو خابت ، والايام تجرى منى دون الوقوف على أرضية ثابته ، ترانى اخطأت فى السفر ، وبينما النفس فى قلق ، وحيرة ، واضطراب ، فُتح الباب وظهر ماهر ذاك المصرى عملاق الجسد من جهابذة بائعى الجرائد ، وهاهى نفس السيدة تخرج وترفع النظارة من فوق عينيها فهل تراها تبحث عنى رفعت يدى حتى ترانى ، وعيونها تتفحص الناس والكل ينظر اليها وحركت يدى ، نعم انها تشاور على شخصى انا شخصيا ، نعم انا .. 

دموعى لم اشعر بها سقطت منى دونما وعى .. الآن مدت يدها تجاهى وقالت لماهر دعه يدخل .. لم اصدق نفسى . دخلت وراءها مكتب صغير ، انيق ، ودعتنى بالجلوس ، واردفت هات جوازك فأخرجته لها من الحافظة التى تتدلى من عُنقى ، قامت بتصوير جواز السفر ، وطلبت منى الميدل ستيل ، وقالت لى معك صورتين ومددت يدى الى حافظة عُنقى استخرجت اربع صوره كانت جاهزة معى وأخرجت مقص وقصت صورتين ، اعادت لى صورتين وقصت الصورتين كل صوره وحدها واحدة دبستها فى Ausweis ( كارنيه ) والأخرى فى كارت لديها .. لم أتمالك دموعى من الفرح فى 10 دقايق محت عذاب إنتطار ايام طويله بلياليها . من هول المفاجاة بكيت من الفرح وهى تقول لى كله تمام .. اذهب الى اليسار اغسل وجهك ، ودخلت اغتسل من الدموع وإذا بها ساخنة تزيد ألهبت أهدابى ، ووجناتى .. وخرجت اليها لتقول لى هذة القهوة لك السكر أمامك .. ياربى هذا اول فنجان قهوة اشربه فى ڤيينا .. وكأنه شربات فرح ، كان له طعم مختلف ، الدنيا تدور بى . شعورى صعب الوصف ، مددت اليها يدى بالسلام ، وقلت لها لا اعرف كيف أشكرك .. فابتسمت وقالت لى كله تمام .. تابع الحضور حتى تحصل على مكان فى الجريدة اقصد كبائع جرائد . وخرجت من عندها أطير ع الارض لم اصدق ما حدث .. استجاب الله لى ، بعذابى ، أُم بدعاء أُمى .. لقد اختصرت هذة السيدة كل الخطوات فى خطوة واحدة لم تستغرق 10 دقائق .. حولت الياس الى امل ، والحزن الى فرح ، والخوف الى أمن ، والحزن الى أبتسام ،الى الشارع الى بنك على ناصية Stumpergasse / Mariahilferstrasse

وأخرجت 300 دولار أرسلتهم الى اُمى خوفا من ضياعهم ، او كمن يحرق سفينته حتى لا يعود . والى البوسطة التى كنت ابحث فيها عن أشرف ، جلست اسطر رساله لامى حتى لا تقلق وتعرف انى بخير ، وأشرت لها على بنك فى القاهرة يمكنها سحب الدولارات منه . صعدتُ الى Stadtbahn قطار الى السكن لم انتبه كنترول ع التذاكر .. يامصيبتى مامعى تذكرة كعادتى ، عباس اصطادتنى .. نزلت معه فى نفس المحطة اللى المفروض انزل فيها ، وهات أسئلة تحقيق شخصيه ،وأين تسكن ومطلوب منك غرامة ماليه قدرها ....... فقلت له بصراحة لا مال معى وغدا سأعود الى بلدى ، فتكلم مع صاحبه وأعاد لى الجواز .. وعديت من هذا المطب المفاجيء . وصلت البيت ، أرتميت على سريرى وقد دارت بى الدنيا ..... وعاودت عيونى الدموع .....




تعودت قدماى على الذهاب الى جريدة الكورير صباحا ، وبعد الظهر استعد لبيع جرائد فى مكان ليل لمن لا يريد العمل ليلا . وتعودت على الوقوف انتظارا لخروج شيف ما يتفحص وجوهنا ويرفع فى الهواء كارنية وصاحبة سعيد الحظ الذى حصل على مكان عمل ، شيفات يعطون اماكن صباحيه ، وأخرون يعطون اماكن ليليه . وانت وحظك .. وذات يوم خرج علينا الشيف مايير Mayer وكان شيف ليل . جنتلمان مان فارع الطول ، عيونه زرقاء يستخدم عيونه فى التركيز الشديد فى الواقف أمامه ، قال لنا لدى مكان ليل واحد ومعى 15 كارنيه فمن صاحب الحظ .. ووضع كل الكارنيهات خلف ظهرة ، ومعهم الكارنيه بتاعى طبعا ، وظل يحرك الكارنيهات بين أصابعة ، وفجأة اختار منها كارنيه واحد ورفعة الى اعلى وسأل من صاحب هذة الصوره وكانت من الفرحة صورتى فرفعت يدى الى اعلى Bitte .

 قال لى جوازك وأخرجت جوازى من حافظة صدرى ، تأكد من الاسم ورقم الجواز وفجأة تغيرت ملامح وجهة باقى على تأشيرتك يومين وتنتهى وهذا امر سيّء ، فدمعت عيناى على الفور ، وجفت الفرحة فى حلقى ، وتحشرج صوتى بين الْحُزْن ، والدموع ، والسعاده ، والتعاسة ، واليأس ، ومالت رأسى على صدرى وإذا بيد السيده إياها تحنو على كتفى اوكى هات جواز سفرك ..ومالت على Hr. Mayer وتمتمت بكلمات لم اعرفها فاخرج ورقة وكتب لى اسم المكان فى الحى الثالث Fasangasse / Mohsgasse من الغد تدفع التأمين وتستلم جاكيت وتدفع حق الجرائد وتستلم الجرايد من المطبعة والمكان حتى 11 مساء . 

كنت فى غيبوبة فكرية ، ذهنية ، تلبدت فيها سمائى بالغيوم ، وفجأة دون ان أدرى أشرقت الشمس ، شعورى مزيج من السعادة والدهشة ، وجروح نفسية من الاحباط ، والياس . وغادرت الجريدة بالخريطة لأتعرف لاول مرة على مكان بيع الجرائد وحتى لا أتوة فى الغد . وكان أفضل شيء اوتوبيس 13A ، ورجعت الى السكن أبشرهم باستلام مكان جرائد ليل ، وعملت الليله ليلا فى اخر مكان ليس لى ، وفى الغد دفعت تأمين الجاكيت وفرجونى على فيلم كيف تكون بائع مجتهد ، تحبب فيك الزبون ، وتزيد أرباحك ، وكيف تحترم الزبون ، وكيف ترد التحية ، وكيف تبتسم ، وماهى المشاهد التى يجب عليك تجنبها مثل الأكل أثناء البيع ، أو تدخين السجائر أثناء البيع ، أو عدم الاهتمام والجلوس وانتظار العميل يأتى عندك .. ظللت اضحك من الفقرة الإعلامية كيف تكون بائع جرايد ممتاز ، وأموالك تزيد . انتظرت عند المطبعة ، الزحام شديد ، وننظر من الشبابيك الماكينات لاتعمل ، مافيش جرائد عمال الطباعة عاملين أضراب بيطالبوا برفع الاجور هههههههههههههههههههههههه والى تكملة الاحداث

الأستاذ / سيد الحدقي
النمسا

حقوق الملكية الفكرية  محفوظة للكاتب ولموقع طوخ المعمورة 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شارك برأيك