جاموستك العرجا
صحراء مترامية الأطراف تحيط بواحتنا من كل جانب، ضيوفنا قلائل كل عقد من الزمن يأتينا واحد، حياتنا بدائية بريئة، ذنوبنا غريزية بشرية بعيدة عن الغش والخداع، نرضي بقدرنا ولا نطمع في المزيد، فرغباتنا انحسرت بين شربة ماء وفتات الخبز وقضاء الوطر بطرق حلال لا تشوبها الشبهات، نحفر العيون لنشرب، وندعو الله ان يمن علينا بأمطار تروي الأراضي القاحلة فتخرج نباتات طعام لنا ووقود، أجيال تعاقبت ووتيرة الحياة واحدة لم تتغير تقريبا، طورنا من واحتنا بالعلم فأنشأنا صوامع للأغلال وحاويات لحفظ المياه، ولكن منذ عدة أعوام تقريبا حدث شئ غريب في تاريخ الواحة، وبدأت الطبيعة الجغرافية والسكانية للواحة تتغير، وتبع ذلك بالتبعية تغير في سلوكيات قاطني الواحة الذين من الممكن أن تعتبرهم عائلة واحدة.
أغسطس منذ تسع سنوات لم يكن شهرا عاديا كبقية شهور الصيف التي مرت علي الواحة منذ آلاف السنين، فقد جاء إلي واحتنا قوافل عديدة، أناس بملامح مختلفة عنا وملابس غريبة ولهجة حديث أكاد لا افقهها، ولكن علمنا فيما بعد بأنه علي بعد 50 كيلومتر من واحتنا تم اكتشاف آبار بترول، وان هذه القوافل هي للعاملين في شركة التنقيب، وكان يمرون علينا بين الفينة والأخرى، وفي احدي المرات ابلغونا بأنهم في حاجة ماسة لمزيد من العمالة، فتوجهنا شباب الواحة إلي هناك، كنا نذهب صباحا ونعود إلي واحتنا مساءاً، وكان كل منا وهو عائد يجلب معه العديد من زجاجات المياه المعدنية والطعام الذي كان يباع في متجر مخيم العمال التابع للشركة، وجاء المطر وجفت الأراضي ولم ننثر حبوبنا، وغطت رمال الصحراء آبارنا ولم نكترث بها، فحياة اسر الواحة أصبحت متوقفة علي زجاجة ماء وطعام مجفف.
وتمر الأيام والسنون توقف أهل الواحة فيها عن نظام المقايضة في البيع والشراء، وأصبح الجميع يستخدم النقود الورقية، ولم تعد بيوت الواحة ذات الدور الواحد تليق بأهل الواحة، فشيدنا بيوت أسمنتية جديدة علي الطراز الحديث، شيدناها علي أراضي كنا نزرعها، وحولنا عيون مشربنا الي مصارف نرمي فيها مياه المجاري والفضلات، وتقاعست نسوة الواحة عن الأعمال المنزلية، لم يعدن يخبزن او يربين دجاج ولا إوز ولا بط ولا جاموس ولا أبقار، ولم يعد يرين الحاجة الي ذلك فكل الطعام أصبح متوفرا وجاهزا للأكل، فلم يعد لهن عملا إلا الأكل والنوم، فأصبحن أكثر سمنة واقل بركة وان حبلن لا تجد لهن طلقا فلا يلدن إلا بجراحة علي أيدي الأطباء.
وجاء الشؤم ليلكم قلوب أهل الواحة، فقد نضبت آبار البترول، وقررت الشركة تسريح العمالة، ورجع العمال إلي واحتهم، لينظروا في أعين بعضهم البعض ، ليروا شبابهم وقد سرق وأراضيهم وقد جرفت وأبارهم التي تحولت إلي مصارف مجاري، لم يحافظوا علي نعم المولي كالرجال والآن يبكون كالنساء، سراب اغشي عيونهم فضحوا من اجله بكل شئ نفيس ونادر، يبحثوا في حظائرهم الخاوية لعلهم يجدوا ولو حتي جاموسة عرجاء، فهل تتعظ بقية الواحات .
أ / حمدي غالب
صحراء مترامية الأطراف تحيط بواحتنا من كل جانب، ضيوفنا قلائل كل عقد من الزمن يأتينا واحد، حياتنا بدائية بريئة، ذنوبنا غريزية بشرية بعيدة عن الغش والخداع، نرضي بقدرنا ولا نطمع في المزيد، فرغباتنا انحسرت بين شربة ماء وفتات الخبز وقضاء الوطر بطرق حلال لا تشوبها الشبهات، نحفر العيون لنشرب، وندعو الله ان يمن علينا بأمطار تروي الأراضي القاحلة فتخرج نباتات طعام لنا ووقود، أجيال تعاقبت ووتيرة الحياة واحدة لم تتغير تقريبا، طورنا من واحتنا بالعلم فأنشأنا صوامع للأغلال وحاويات لحفظ المياه، ولكن منذ عدة أعوام تقريبا حدث شئ غريب في تاريخ الواحة، وبدأت الطبيعة الجغرافية والسكانية للواحة تتغير، وتبع ذلك بالتبعية تغير في سلوكيات قاطني الواحة الذين من الممكن أن تعتبرهم عائلة واحدة.
أغسطس منذ تسع سنوات لم يكن شهرا عاديا كبقية شهور الصيف التي مرت علي الواحة منذ آلاف السنين، فقد جاء إلي واحتنا قوافل عديدة، أناس بملامح مختلفة عنا وملابس غريبة ولهجة حديث أكاد لا افقهها، ولكن علمنا فيما بعد بأنه علي بعد 50 كيلومتر من واحتنا تم اكتشاف آبار بترول، وان هذه القوافل هي للعاملين في شركة التنقيب، وكان يمرون علينا بين الفينة والأخرى، وفي احدي المرات ابلغونا بأنهم في حاجة ماسة لمزيد من العمالة، فتوجهنا شباب الواحة إلي هناك، كنا نذهب صباحا ونعود إلي واحتنا مساءاً، وكان كل منا وهو عائد يجلب معه العديد من زجاجات المياه المعدنية والطعام الذي كان يباع في متجر مخيم العمال التابع للشركة، وجاء المطر وجفت الأراضي ولم ننثر حبوبنا، وغطت رمال الصحراء آبارنا ولم نكترث بها، فحياة اسر الواحة أصبحت متوقفة علي زجاجة ماء وطعام مجفف.
وتمر الأيام والسنون توقف أهل الواحة فيها عن نظام المقايضة في البيع والشراء، وأصبح الجميع يستخدم النقود الورقية، ولم تعد بيوت الواحة ذات الدور الواحد تليق بأهل الواحة، فشيدنا بيوت أسمنتية جديدة علي الطراز الحديث، شيدناها علي أراضي كنا نزرعها، وحولنا عيون مشربنا الي مصارف نرمي فيها مياه المجاري والفضلات، وتقاعست نسوة الواحة عن الأعمال المنزلية، لم يعدن يخبزن او يربين دجاج ولا إوز ولا بط ولا جاموس ولا أبقار، ولم يعد يرين الحاجة الي ذلك فكل الطعام أصبح متوفرا وجاهزا للأكل، فلم يعد لهن عملا إلا الأكل والنوم، فأصبحن أكثر سمنة واقل بركة وان حبلن لا تجد لهن طلقا فلا يلدن إلا بجراحة علي أيدي الأطباء.
وجاء الشؤم ليلكم قلوب أهل الواحة، فقد نضبت آبار البترول، وقررت الشركة تسريح العمالة، ورجع العمال إلي واحتهم، لينظروا في أعين بعضهم البعض ، ليروا شبابهم وقد سرق وأراضيهم وقد جرفت وأبارهم التي تحولت إلي مصارف مجاري، لم يحافظوا علي نعم المولي كالرجال والآن يبكون كالنساء، سراب اغشي عيونهم فضحوا من اجله بكل شئ نفيس ونادر، يبحثوا في حظائرهم الخاوية لعلهم يجدوا ولو حتي جاموسة عرجاء، فهل تتعظ بقية الواحات .
أ / حمدي غالب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
شارك برأيك