السبت، أكتوبر 13، 2012

حمدي غالب يكتب: هنا الكويت : مسقط الرأس (1)





أرض الوادي والسهل والجبل، يحدها النيل من ناحية الشرق ويحدها الجبل من ناحية الغرب ومابين الشرق والغرب تمتد السهول الخضراء، هي مدينة نوبت الفرعونية، عاصمة حضارة ما قبل التاريخ، حضارة نقادة الأولي والثانية، وسميت بمدينة نوبت "ربما بمعنى الذهبية لقربها من مصادر الذهب في الصحراء الشرقية" وتقول الأساطير القديمة أن معبودها "ست" اعتبر ربًّا للصعيد كله، وتقع بالبر الغربي علي بعد حوالي خمسون كيلومتراً شمال معبد الدير البحري ووادي الملوك والملكات بمدينة طيبة القديمة، تعرف في الوقت الحالي باسم "قرية طوخ". 


في سمائها الصافية تري الطيور في رحلة هجرتها الموسمية تغدو وتروح، حدودها قد رسمها النيل سلفا بمخالبه إبان وقت الفيضان، جبالها مازالت تحتفظ في أحشائها بأسرار الفراعنة، وأهلها مازالوا يمارسون العديد من الطقوس الفرعونية، يدفنون موتاهم في حضن الجبل ويعودون إليهم بعد مضي خمسة عشر يوما ثم بعد أربعين يوما، وعجائزها مازلن يسكبن الماء خارج ديارهن بعد مرور الموكب الجنائزي، ومن تلتمس منهن حملا عليها بزيارة المقابر تيمنا ببركة الموتى، وتحتفظن في مكان امن بما تخرجه أسنان المشط من خصلات شعورهن خيفة أن احد ما قد يطأ بقدمه عليها أو أن "يتخطاها" فيصيبهن الصلع، وكلها عادات تشهد كتب التاريخ بأنها من إرث الميثولوجيا الفرعونية، ورجالها مازالوا يتبعون التقويم المصري القديم في الزراعة، وفي حقولهم تجدهم يرتدون زيا يقارب لزى الفراعنة، وقبيل اختراع أدوات الزراعة الحديثة كنت تجد الأدوات الفرعونية من النورج لحرث الأرض والشادوف للري وصوامع الأغلال، فتجد المزارع منهم وهو يحرث أرضه بمعاونيه ماشيته كأنها صورة حية للرسومات من علي جدران معبد فرعوني. 

وجنباً إلي جنب مع اللمسة الفرعونية تجد أثر الفتح الإسلامي علي القرية، وإن كان الفتح الإسلامي لم يترك أثرًا إلا في الجانب الروحاني، فالمسلمين من شبه الجزيرة العربية لم يكونوا أهل حضارة مقارنة بأهل مصر، وكما أن طبيعة بلدان الوديان حيث الخير والرفاء تختلف عن الصحاري القاحلة التي أتي منها المسلمون الأوائل، فالآتون في كنف الموكب الإسلامي كانوا فقراء جوعي لا حضارة لهم ولا علم إلا الكلمات التي حفظوها شفاهة عن الإسلام، فالإسلام لا الحضارة الإسلامية أو العربية هو ما ستجده في قلوب الناس، ومعماريا لم تتغير طريقة تشيد منازل الحياة الفانية أو الخالدة كثيرا عن الفن المعماري الفرعوني اللهم إلا باستبدال معابد العبادة الفرعونية بمساجد وأضرحة إسلامية وبعض الرسومات علي جدران منازل من ادى فريضة الحج. 

مرت علي نوبت او طوخ عصور ازدهار واخري اضمحلال، علي مر التاريخ ومع كل غزو اجنبي لمصر كان النسيج المصري يتعرض لحمله تشويه عرقي ممنهجة، فعلها الرومان والبطالمة واليونان والاتراك والمماليك وغيرهم، وكانت طوخ ببقعتها الحضارية هدف ينشده اي غازي للسيطرة علي اقليم الصعيد كافة، فعلي سبيل المثال تذكر كتب التاريخ بان الجنرال ديزية – احد قادة حملة نابليون بونابارت علي مصر – كان لديه حلم، كان يحلم بالسيطرة علي طريق الهند وهو الطريق التجاري الاهم وقتها، فاعطي اوامره للاسطول الفرنسي بالتوغل جنوبا، الهدف السياسي هو السيطرة علي مدينة قوص مركز طريق الهند، ولم يكن لينال مأربه الا بتحقيق هدف عسكري استراتجي لنصب المدافع الحربية (السلاح الاشهر للحملة الفرنسية) لتصب نيرانها علي مركز قوص. فلم يكن لديه افضل من موقع قرية طوخ في البر الغربي والمواجهة مباشرة لقـوص. 



وطوال تاريخها الطويل والحافل ظلت طوخ مجتمع مؤسساتي في انظمة حكمها وادارتها وفي علاقتها بالسلطة الحاكمة للقطر المصري وفي........ونستكمل سويا ان كان في العمر بقية الرواية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شارك برأيك