الجمعة، سبتمبر 20، 2013

حمدي غالب يكتب : ملكوت الشر

  ملكوت الشر




يحكي أن فتي هندي إبن صاحب حديقة حيوانات كان مهاجراً  إلي كندا علي متن سفينة نقل بصحبة عائلته وحيواناتهم البرية الأليفة والمفترسة، وفي عرض المحيط الهادئ هبت عاصفة رعدية فقلبت السفينة رأساً علي عقب، وبعد رحلة من العذاب والضياع لأشهر طويلة في عرض المحيط وجزر شيطانية موحشة وصل الشاب الهندي إلي شواطئ المكسيك، أرسلت الشركة المالكة للسفينة فريق تقصي حقائق لزيارة الفتي لمعرفة غرق السفينة، وكانت هذه روايته:


بدء اليوم بعراك نشب بين أبي وطباخ السفينة لرفضه احترام رغبة أمي الهندوسية في الحصول علي طعام نباتي فقط، وانتهي عند سماعي لصوت الرعد حيث توجهت بعدها إلي سطح السفينة لأرقب روعة البحر الهائج، وجرت الأحداث سريعة، وانقلبت السفينة ولم اسمع غير صوت الرعد يتردد في آذاني، فغاب العقل واستيقظ، فإذ بي علي ظهر مركب إنقاذ بصحبة حمار وحشي وضبع ونمر، ثم لحقنا إنسان الغاب الذي جاء عائما علي سباطة موز.


كان الضبع جائع فبدأ بفأر صغير علي ظهر المركب، وعندما رجع إليه الجوع حاول مهاجمتي إلا أن إنسان الغاب قام بصده عني، فوثب علي الحمار الوحشي وافترس رجله اليمني، أسبوع كامل والضبع وجد ما ياكله، ولكن النمر بدء يعرب عن نفسه ورأيت في عينيه الشر، وحاول الضبع في مهاجمتي ولكن  إنسان الغاب حال بيني وبينه،  وقفزت انا من المركب مستخدما طوق النجاة وظللت بعيدا عن المركب ممسكا بحبل يجعلني مرتبط بها، وقد دفع إنسان الغاب جزاء شهامته، فقد انقض عليه الضبع انقضاضا، واكله أمام عيني، وبدأت أنا أتعايش وان أزيد رقعة مسكني بعيدا عن المركب مستخدما في ذلك كل بدل الانقاذ، وانتظرت المطر لأملا وعائي ماء عذب واصطاد من البحر سمكاـ وافترس النمر الضبع.


لم استطع التخلي عن النمر الذي يحتضر من الجوع والعطش في محنته، فكنت أقدم إليه الماء العذب والسمك بحيطة وحذر، وبدأت في ترويضه وبدا يستجيب، حتي ألقتنا الأمواج علي شط جزيرة مكتظة بالسلاحف، فأكلت أنا من الأشجار واكل صديقي النمر السلاحف، ولكن الجزيرة كانت مسكونة بروح الشر، فقد وجدت أزهار في قلبها ضرس إنسان، فقررت الرحيل إلي عرض المحيط، وناديت علي النمر حتي لا اتركه في جزيرة الشر، وبعناية السماء وبعد أسابيع طوال، لفظنا المحيط علي شواطي المكسيك، حينها تركني النمر وذهب إلي الغابة دون أن نتبادل كلمة وداع، مما حز في نفسي كثيرا فخوفي منه هو من جعلني اشعر بان لحياتي قيمة تستحق المجاهدة والصبر للوصول إلي شط النجاة، وانه لولا مائي وسمكي لكان هو في عداد الهالكين.


لم يتقبل أعضاء لجنة التقصي هذه القصة، فكيف لسباطة موز حمل إنسان غاب، كما انه لا يوجد علي الخريطة أي اثر لجزيرة سلاحف شريرة، فعلم الفتي بأنهم لا يستطيعون تصديق مالم يروه بأعينهم، وتحت إصرارهم حكي لهم رواية أخري ليجعلهم ينصرفوا:


كنت نائم عندما هبت العاصفة، فأيقظني أبي وأمسكت بثوب أمي، أطاح الموج بأبي بعيدا، واعتليت أنا وأمي مركب الإنقاذ وكان بصحبتنا الطباخ وشاب ياباني صغير أصيبت رجله اليمني بجرح غائر، وبعد أن نفذت المؤن، قال الطباخ لي ولامي بان رجل الفتي بدأت تسوء ولابد من بترها إنقاذا لحياته، فصدقناه، وساءت صحة الياباني حتي مات، فقام الطباخ باكله، وعندها ايقنت انا وامي بان الطباخ استغلنا للفتك بالياباني، وعلل الطباخ فعلته بأنه لاسبيل غير ذلك للنجاة من الموت جوعا، ولكنه وبعد ان رجع الجوع اليه مرة اخري حاول مهاجمتي الا ان امي حالت بيني وبينه، فكانت صيدا سهلا للطباخ الذي قتلها بالسكين وبدأ في التهام جسدها امام عيني، استبد بي الغضب، واقتربت منه لاجد السكين بجواره، فامسكت بها وقمت بقتله دون ادني مقاومة منه وكانه ايقن بانه قد تجاوز المدي الانساني وبان الموت افضل له، وعندما غلبني الجوع فعلت به ما فعله بضحاياه.


أيها القارئ العزيز امامك رواياتان، فايهما تصدق؟ او بالاحري ايهما تريد تصديقه، اتريد التصديق بان المتواجدين علي سطح المركب هم: حمار وحشي (ام شابا ياباني) وضبع (ام طباخ بشري) وانسان غاب (أم والدة الفتي) ونمر ( أم الفتي الوديع الذي حولته الظروف الي حيوان مفترس)؟


رجل الشر لن ينتصر حتي وان اخذ مالك او ممتلكاتك او حتي ان انهي حياتك نفسها، ولكنه سينتصر حتما ان جعل شيطان الشر في داخلك يصحو ويستاسد ويفترس ملاكك الانساني، فالرجل الشرير ما هو الا كاهن في معبد الشر وانتصاره الوحيد هو بانضمامك انت ايها الانساني الي  ملكوت الشر.


تبدو المعادلة في شقها النظري سهله وبسيطة، ولكن تتجلي الصعوبة في شق المعادلة العملي والتطبيقي، كيف للانسان ان يتغلب علي غضبه وحماسة الشباب وروح الانتقام، الواقع يفرض قوانينه، الامر كله بايد الله خالق النفس والذي الهمها فجورها وتقواها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شارك برأيك