الثلاثاء، أبريل 21، 2015

زمان " الفركة " في نقادة ..!

زمان " الفركة " في نقادة ..!

( عم خديوي عباس ) أحد صناع الفركة (كوم الضبع)


زمان " الفركة " في نقادة ..!
بقلم : الطيب أديب

اشتهرمركز نقادة بمحافظة قنا بحرف تراثية عديدة ، كالفخار والحصر والأسرة المصنعة من جريد النخيل ، ولكن نقادة وقراها ارتبط اسمها بحرفة الفركة زمنا طويلا في العواصم الأفريقية . والفركة " بكسر الفاء " عبارة عن منسوجات مصنعة من الخيوط القطنية ، تمر صناعتها بمراحل عديدة تبدأ بصباغة الخيوط بألوان زاهية وجمعها على دواليب يدوية صغيرة ، وصفها على النول اليدوي بطريقة هندسية بديعة ، ويجلس صانع الفركة ( النوال ) محتضنا نوله" الفرعوني المنشأ " ، وهو يمد قدميه أسفل حفرة النول، يحرك الجزء السفلي من النول، ويستخدم كلتا يديه في عملية شد المضرب وضم الخيوط لبعضها، ويضرب المكوك يمنة ويسارا، وعندما ينتهي من تصنيع " الملاية" يقطعها ويبدأ في تصنيع غيرها، ويتسلم النوال أجره من صاحب النول مع بداية كل أسبوع بعدد ما صنعت يداه من ملايات .

العصر الذهبي للفركة

ولاقت الملاية النقادية شهرة واسعة الآفاق ، خاصة في العواصم الإفريقية، كالخرطوم ونيروبي وأديس أبابا وغيرها، حيث تتهافت عليها النساء الإفريقيات لاعتقادهن أن هذه الملايات تجلب الحظ والبركة، وتضفي عليهن قدرا كبيرا من الوقار والحشمة وهن يقمن بلف هذه الملايات حول أجسادهن الفارهة، حتى أن العروس الأفريقية كانت تشترط على عريسها تقديم عددا معينا من هذه الملايات ضمن جهازها قبل الزفاف وكانت فترة نهاية السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي عصرا ذهبيا لفركة نقادة إذ كانت تدر ما يعادل أربعة ملايين دولار على نقادة وقراها التي احتكرت المنتج بعد خروج إخميم بسوهاج عن المنافسة واحتكارها للسجاد .

قاعة النول

ولحجرة النول في قرى نقادة ونجوعها ذكريات سعيدة لا تنسى إذ كانت الحجرة التي يطلق عليها النوالة (قاعة النول ) تبنى مستقلة داخل أحد أركان البيت ،ويعمل شباب النوالة لدى صاحب النول الذي يجمع الملايات المصنعة في نهاية الأسبوع ، ومع مطلع نهار يوم السبت يسحب (ركوبته )ويحمل ملاياته قاصدا تاجر الجملة في سوق نقادة الشهير، الذي يشتري منه الملايات ويلفها ويعتمدها بختم نقادة ويشحنها إلى معبر حلفا جنوب أسوان ومنه إلى العواصم الإفريقية التي تتلقف المنتج . وكانت قاعة النوالة ملتقى لشباب القرية يحولون ليلها لحلقات عمل وسمر ويتبادلون فيها أخبار القرية ونوادرها ويتتبعون فيها أخبار العالم عبر جهاز "الراديو المعلق في ركن القاعة ويطربون على نغمات أغاني أم كلثوم وعبد الحليم حافظ ومحمد قنديل ومحمد عبد الوهاب ومحمد رشدي ، وكلما ازدهر موسم الفركة دقت الطبول في شوارع القرى تزف الفتيات للشباب
على أن عصر الفركة الذهبي ولى بلا رجعة بعد تدهور الأحوال الاقتصادية في معظم العواصم الإفريقية وفتح باب الهجرة لدول الخليج فأغلق أصحاب الأنوال مصانعهم الصغيرة ، وهرول معظم الشباب يبحثون عن كفيل لهم في بلاد النفط
فتدهورت صناعة الفركة في جميع القرى والنجوع .

الفركة الحداثية
ولكن عميد صناع الفركة في نقادة المعلم شمروخ مقار ، أصر على الاستمرار في حرفة آبائه وأجداده ، وبجهوده الفردية تمكن من الوصول لأسواق بديلة في العواصم الأوربية والأسيوية وهو يحمل ملايات الفركة وبرفقته مجسم لنوله اليدوي – كما حكى لي منذ ست سنوات قبل رحيله بشهور – واستطاع أن يكسب جمهورا جديدا للفركة في برلين وباريس ومدريد وغيرها من العواصم الأوربية ، ولكن رغبة الجمهور الجديد غيرت من شكل المنتج فلم تعد الملاية التقليدية ( الإفريقية ) تناسب ذوق المستهلك الجديد ، فظهرت الفركة ( الحداثية ) المطورة حسب رغبة جمهورها الجديد، وراحت الأيادي الماهرة تصنع المفارش والستائر والكوفيات وغيرها .. بينما صناع الفركة وتجارها يسوقون منتجاتهم الجديدة في المدن السياحية كالأقصر والغردقة وأسوان وغيرها .. ولاتزال نقادة وتوابعها كالخطارة وكوم الضبع وغيرها تنتج الفركة الجديدة .
الغول الجديد
ولكن فرحة صناع الفركة لم تدم طويلا لظهور منافس جديد ( شرس) على الساحة اقتحم عليهم حياتهم، وهوذلك الغول القادم من أقصى الشرق يحمل معه الأستيكة والقفل وفانوس رمضان والموتوسيكل، ها هو الغول الصيني يعود هذه المرة يحمل معه خيوط الفركة الجاهزة، بل ومنتجات الفركة الجديدة يعرضها في الأسواق المصرية ، رغم أنه لم يسهر يوما داخل قاعات الأنوال ولم يطرب لأغاني أم كلثوم ومحمد رشدي ولم يركب ركوبته كل يوم سبت متوجها إلى سوق نقاده ، لكنه قدر الله الذي سلط علينا الصين والمسئولين المصريين ، اللهم ابعدهم عنا يارب العالمين .. قولوا آمين ..!
منقول أسرة الموقع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شارك برأيك