الأحد، أكتوبر 28، 2018

حمدي غالب يكتب: عيد حراجي القط




 الصورة أرشيفيه- متداولة على الإنترنت

عيد حراجي القط - من وحي الخيال

لم أصدق عيني وأنا أنظر لتلك اللافتة على هذا المكتب الأنيق حيث منقوش عليها اسم "أ.د. عيد حراجي القط-عميد كلية الهندسة"، أهل هو ابن حراجي القط العامل في السد العالي الذي كتب الابنودي خطاباته، فأنا أحفظ تلك الخطابات حرفا حرفا، وأعرف معاناة تلك الأسرة وكيف عاشوا الأيام يوما يوما، حتى صار الحاج حراجي القط كأنه قريب لي، وأعرف كيف كان حريص على تعليم ابنه "عيد" في الكتاب حتى يعرف القراءة والكتابة.


تمنيت أن يكون الحاج حراجي القط قد رأى كيف نجح ابنه عيد في الحياة، وكيف ارتقى لتلك المراتب حتى صار مهندس "زي البشمهندس طلعت" بل قد تخطى ذلك حتى وصل لمرتبة أعلى بأنه أصبح عميد كلية الهندسة التي يتخرج منها كل عام مئات المهندسين.

جميلة هي الحياة عندما ترى من جد وجد، جميلة هي الحياة عندما يجد المكافح جزاء حسنا لكفاحه وكفاح أبيه، جميلة هي الحياة عندما ترى أن أبناء الطبقة الفقيرة قد اعتلوا أرفع المناصب وأعلاها، فهذا هو العدل، أن يأخذ كل مجتهد حقه بدون تفرقة بناء على الطبقة الاجتماعية أو اللون أو العرق أو الدين.

وما هي إلا لحظات، حتى دخل المكتب رجلا في أواخر الخمسينات ودخل وراءه عدد ليس بقليل من الأتباع، جلس الرجل ثم صاح صيحة كأنها لقائد جيش "انت يا عبده يا زفت" وجاء الرد سريعا "حاضر يا فندم"، وكانت الصدمة أن أكتشف بأن هذا الرجل ما هو إلا "عيد" وبأن عبده هو فراش المكتب وقد اقترب من عمره الستين أي في نفس عمر حراجي القط العامل في السد العالي.

وكان عيد في حالة غضب شديدة حتى انه لم يلاحظ وجودي، وكان أحد الطلبة يترجاه حتى لا يوقع على قرار فصله من الكلية، فالحكاية كما رواها الطالب على مسامعنا، أن هذا الطالب كان مضطرا للعمل دوام مسائي كجرسون في أحد المقاهي حتي يوفر مصاريف الدراسة وينفق على أمه الأرملة، ولكن حدث ان داهمت الشرطة هذا المقهى لأن بعض زبائنه "يشربون حشيش"، حاول الطالب أن يشرح بأنه ليس له علاقة بهذه المخدرات، وأن الزبائن يحضرونها بشكل شخصي دون معرف إدارة المقهى، وبأنه مضطر للعمل حتي يعيل امه ويصرف على نفسه، ولكن الأستاذ الدكتور عيد رفض أن يرحمه، وقال له جملة "بدال فقير وأهلك مش قادرين يصرفوا عليك داخل هندسة ليه، روح يا شاطر للغرزة بتاعتك"

وقع عيد على جواب فصل الطالب المكافح، ووقع أيضا على قرار تعيين المعيدين الجدد، بعد أن تأكد بأن جميع المعيين الجدد هم "عيال دكاترة"، وابتسم بعد أن قرأ الأسماء، وقال بأن السلك الأكاديمي سيزداد شرفا بانضمام أبناء أعضاء هيئة التدريس في الجامعة، وكأن زمرة طواقم التدريس الجامعي اقتطعوا عهدا على أنفسهم "أن لَّا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُم مِّسْكِينٌ"

هكذا صار زماننا، أن "عيد وكل الأعياد" من أولاد الحاج حراجي القط وأمثاله أصبحوا أكثر عنصريه وطبقية من الارستقراطيين ذات أنفسهم، وبمجرد أن وصلوا الى الوظائف العليا حتى احتكروها لهم ولأبنائهم، في كل المجالات أصبح المكان الشاغر محجوز مسبقا، فان لم يكن ابوك "عيد" فلن يصبح لك موضع قدم في هذه الحياة، وان كان ابوك حراجي القط فاعرف بأنك ستعيش حراجي القط. 


فيا أيها العيد وكل عيد فان كنت طبيبا فارجوك لا تنهر النسوة الجالسات على الارض في المستشفي الحكومي فقد تكون فاططمة احمد عبدالغفار واحدة منهم، وان كنت مهندسا فلا تنهر العاملون تحت امرتك فقد يكون حراجي القط أحدهم، وان كنت مدرسا فعمل بضمير في حجرة الدراسة المدرسية فلعل عيد آخر فقير لا يقدر ابوه على مصاريف الدروس الخصوصية.


رحم الله الخال عبد الرحمن الابنودي ورحم الله حراجي القط وزوجته المصونة فاطمة أحمد عبد الغفار التي لا أعرف إن كانت على قيد الحياة أم لا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شارك برأيك