الثلاثاء، مايو 05، 2015

حمدي غالب يكتب: أكلنا البرتقال

أكلنا البرتقال


غاب صديقنا يوما، وخبرونا أنه مريض، فجمعنا نحن تلاميذ الصف الرابع الابتدائي خمسة قروش من كل واحد منا، واشترينا بالمبلغ برتقال، كان البرتقال أخضر وكانت القروش الخمس ذات قيمة، يكفيك بأن تعرف انها كانت نصف مصروفنا او مصروفنا كله، لا أتذكر حقاً وزن الثمار ولكن أتذكر بأن كل من ساهم أصبح عضواً في الوفد المتجه للاطمئنان على صحة الصديق المريض.


وفد فخيم يضم أكثر من 22 عضواً "بمرايليهم" الصفراء، اناثا وذكور، وصلنا لبيت الفتي المريض، فاستقبلتنا امه أحسن استقبال، وصافحنا صديقنا فرداً فرداً، ووضعنا له الثمرات بجانب رأسه، فجاءت امه الينا، شكرتنا على المجيء، وحيتنا على اللفتة الكريمة بإحضار هدية للمريض، ومدت يدها وامسكت بكيس البرتقال، ووزعته علينا واكملت من عندها، حاولنا الرفض، ولكن خضار البرتقال "المزهزه" ورائحته الفواحة التي جعلتنا ننتشي وبراءة الأطفال وذكري القروش الخمس جعلتنا في النهاية نقبل العرض السخي. وهكذا قد عدنا صديقنا المريض واظهرنا نبل اخلاقنا وشهامتنا وأكلنا البرتقال.


ما زلت مخلصا لذكريات طفولتي، واحمد الله انها كانت طفولة سعيدة، فما زلت اتحجج باللهو مع بنيتي الصغيرة "لارمح" في الشارع ذهابا وإيابا، واذهب إلى ضفة النيل لأكل بيض ملون وترمس في شم النسيم، وان شابت خصلات شعري ولكن روحي ما زلت هي ذاتها يفرحها رؤية خضار الزروع ومنظر الغصن اليابس يجعلها تحزن.


كنا نتسلل خفية، خيفة أن يرانا أحد، نفتح الباب "بشويش"، وننطلق ناحية النيل، نستحم ونسبح ونضرب بعض "بالشلوت" المائي، وكلما هم أحدنا بالخروج، رمي عليه الباقون طين وطمي حتى يعود إلى الماء، وبعد أن تخور قوتنا، نخرج عائدين ولكننا لا ننسي ابدأ أن نهيل التراب على رؤوسنا ووشوشنا حتى "تتغبر" فلا يعرف الاهل بأننا كنا نستحم في النيل وينخدعون بكذبتنا باننا كنا نلعب على اليابسة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شارك برأيك