الشمعة اليتيمة
على الرغم بأنها شمعة "يتيمة" ومعصعصة،
ونورها فاتر وواهن الا إنها جذبت انتباه كل الجيران، شعاع ضوئها
"المكسح" بالكاد يجتاز نافذة خشبية "مخلعة"، ولكن عيون
الجيران "ما قصرت".
فالجار الأول ظل يرمق نور الشمعة ويتحسر، فهو
على يقين بأن ابن جاره يقضي ليلته منكبا على كتبه، يذاكر بجد واجتهاد، على عكس
ابنه الذي يغط في نعاس ويرفل في اثواب الفشل ثوباً ثوباً، الشمعة اليتيمة لا تحترق
بمقدار احتراق قلب الجار الأول بلهيب الحقد.
الجار الثاني ظل يرمق نور الشمعة ويتحسر، فهو
على يقين بأن جاره يقضى ليلة مليئة بالأنس، فنور الشموع يزيد من وهج الرومانسية
ويجعل الجميل أكثر جمالاً والقوي أكثر قوة، على عكس حاله مع قرينته
"المخمودة"، والقرينة يعني زوجة باللغة الفصحى مش حاجة تانية، ولا تعرف
شيء عن الرومانسية ولا عن المشاعر، الشمعة اليتيمة لا تحترق بمقدار احتراق أعصاب
الجار الثاني بلهيب الحسد.
الجار الثالث ظل يرمق نور الشمعة ويتحسر، فهو
على يقين بأن جاره قد أصبح غنيا ولديه المال لينفقه على شراء شموع ليقضي بها
ليلته، فالأموال قد غيرت النفوس وجعلت جاره يتكبر عليه ولا يأبه به ولا يزوره، على
عكس حاله وهو الفقير الذي لا يجد قرشا ولا مليما، الشمعة اليتيمة لا تحترق بمقدار
احتراق فؤاد الجار الثالث بلهيب الغضب والبغض.
الشمعة اليتيمة ماتت وانطفأ نورها، وبدأت
أصوات النحيب تتسرب من جدران البيت، وارتفع الصوت شيئا فشيئا حتى أصبح صراخ، صراخ
صراخ، تجمع الجيران جميعهم، ودخلوا بيت جارهم، لم يستطيعوا رؤية شيء، زاد الهرج
والمرج، حتى جاء شخص من بعيد واخرج من "جيبه" شمعه، وبمجرد اشعالها حتى
هدأ الضجيج، سكون تام وشعاع الشمعة يداعب وشوش الجميع المترقبة، وبصروا إذ بجارتهم
تحتضن ابنها الوحيد.
لله ما أخذ ولله ما أعطى وكل شيء عنده
بمقدار، معلش يا اهل الشارع والجيران، والله كنا بنكتم صرخاتنا لغاية ما الصبح يصبح،
قدرت اصبر امه واقولها احضنيه وشوفيه قبل ما ندفنه في الصبح، ربنا نزل عليها الصبر،
بس لما الشمعة اتطفت ومعدتش شايفاه مقدرتش تكم الصراخ.
الناس دائما تحقد الشمع على نوره ولكن لا
تعرف أبدا شيئا عن اللهيب والحرقة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
شارك برأيك