الخميس، سبتمبر 27، 2012

حمدي غالب يكتب: دستور الشعر الأبيض

دستور الشعر الأبيض 

تكدس طلبة الدفعة الرابعة لقسم اللغة الانجليزية في تمام الساعة السابعة والخمس وأربعون دقيقة صباحاً في المدرج الكبير بالمبني القديم لكلية الآداب، الظرف الاستثنائي هو حضور محاضرة الدكتور "الجزار". الدكتور الجزار كما يلقب من قبل طلبته هو شخص وسيم في اوائل الاربعينات، لم تزر الضحكة ولا الابتسامة وجهه منذ زمن بعيد، وبالتحديد منذ حوالي عشرون عاما حين كان طالبا في الدفعة الرابعة بنفس القسم الذي يدرس به الآن. 

فقد أتي للتو من قريته الصعيدية يمني النفس برؤية حبيبته بعد غياب فترة العطلة الصيفية ولم يكن اختراع الموبيل قد وجد فلعله يخفف من حدة الاشتياق، وظل قرابة الأسبوع يبحث عن حبيبته ولكن لم يجدها، ثم جاءت احدي صديقاتها تتشح بالسواد ووقفت أمامه وأخبرته بان حبيبته قد فارقت الحياة لسوء حالتها النفسية اثر إجبارها علي الزواج من شخص آخر، ولكنها تركت وصية مفادها بأنها قد تركت الحياة عذراء لتتزوج بك في عالم الخلود فاذهب إليها بعد طول عمر ولكن لا تذهب إليها إلا وحيدا. ومنذ ذلك الحين لم يتزوج ولم يضحك ولم يبتسم. 

بعد الانتهاء من اخذ الغياب حيث يحرص الجميع علي إثبات الحضور فغياب مرتين كفيل أن يريحك من عناء الذهاب إلي مخيم الامتحانات، سمعت دقات خفيفة علي باب المدرج، لعلها الأولي التي يجرؤ احد الطلبة أن يفعلها بان يأتي متأخرا بعد دخول الدكتور، ولكن فيما يبدو إنها طالبة جديدة في الدفعة الأولي، ففتحت الباب ورمقت الجزار بنظرة جعلته يبدو ذبيحا، فاستقر علي كرسيه، إنها هي ذاتها حبيبته ولكنها ثلاث سنوات اصغر، ظن في البداية أنها أحلام يقظة ولكن الحقيقة انكشفت بأنها ابنة حبيبته وبان حبيبته لم تمت ولكن صديقتها قد غيرت الرسالة من "إنني تزوجت وأتمنى لك السعادة" إلي ما أولته من وصية مفبركة، فجمع أمره علي الزواج من الفتاة الصغيرة ولكن أتحل له؟ 

اسمع أهات القارئ العزيز وهو يمصمص شفتيه علي مأساة الشاب أعلاه، لأبدو انا ككاتب رائع حول الواقع الي ماساه، فهذا هو واقعنا المخزي حيث لا امل فيه للشباب في الزواج الا بعد ان ينقضي اكثر من نصف اعمارهم، فتذبل ضحكاتهم وتتيبس مفاصلهم وتنحني ظهورهم فيصبح الوجهة عابس والطباع قاسية، وكل شيئا نقيسه بالحلال والحرام وتناسينا الرحمة والمحبة التي نادت بها الرسل، نسترسل في العقوبات ولا نذكر حقوق الانسان. 

فيا كتبة الدستور من حفظة القران، ويا معارضي كتبة الدستور من أعلام الرموز واقلام الاعلام، يا من تهتمون بالحد الأدنى لسن الزواج أرجوكم اهتموا بالحد الأعلى، فإنها لسخافة أن يكون في بلد مثل مصر وصلت فيها نسبة العنوسة إلي معدلات مخيفة أن يكن الشغل الشاغل لكتبة دستورها هو الحد الأدنى للزواج. شيء سخيف أن تهتم القوي الليبرالية بسن قانون لتحريم الختان دون أن تهتم بسن قانون يلزم الحاكم بمساعدة الشباب لالتقاء الختانان بطرق شرعية. شيء بغيض أن الكل مهتم ويتباري في التبرؤ من المتحرشين وأفعالهم ويجاهدوا ا لسن عقوبات رادعة دون البحث عن حلول جذرية للمشكلة، ألا وهي ارتفاع سن الزواج، فما من عريس اليوم إلا وقد اضطر في يوم زفافه الي تلوين شعره الذي كثر فيه الأبيض عن الأسود. 

أ. حمدي غالب طايع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شارك برأيك