الأحد، أغسطس 29، 2010

جــــرة أمــــل



اقترب موسم الحصاد واصفرت السنابل وأينعت لحصادها، وها قد جاءت اللحظة التي ينتظرها كل مزارع بفارغ الصبر ليجني ما عملته يداه طوال الموسم، ليجزي خيرا عن كد كبير وصبر جميل، والأم العجوز جالسة علي حصير من قش الحلف تحادث ابنها رث الثياب والهيئة وتنصحه بأنها أصبحت عجوزا الآن ولن تستطع أن تخرج معه هذا العام الي الحصاد، ولن يستطع وحده القيام بكل العمل، وشددت عليه وألحت بضرورة الزواج، وعليه أن يختار زوجة قوية تساعده وتعينه علي مشقات الدنيا وتقوم علي خدمته في داخل الدار وخارجها، تكون صبورة لاتكل ولاتهن من عناء الدنيا ولا تتخلي عنه يوما عندما تضيق به السبل وتنقطع عنه الأماني، وألا يكترث بالجمال فان زاد الجمال زاد معه الدلال، وامرأة مدللة لن تقف معه ان خانه الحظ ولن تقويه إن أصابه الوهن.

اخذ الكلمات علي محمل الجد فهذا هو حاله دائما، فتوجه الي اقرب أصدقائه ليساعده عن البحث عن فتاة تتحلي بالمواصفات التي حددتها العجوز، فقال له صديقة ما عليك غير الذهاب الي بركة المياه حيث كل فتيات ونساء البلد يذهبن ليملأن مياه الشرب من هناك، فذهبا وارتقا مكانا عليا، وبدأت النسوة في المجيء والذهاب، واسترقا النظر الي أجساد بللتها المياه فتجد منها الممشوق والمكتنز والنحيف والأبيض والأسود، والمياه تجعل الأثواب شفافة فتبدي الكثير ولا تخفي الا قليلا، فقال لصديقة انها هناك حيث تحمل تلك الجرة وأي جرة انها اكبر جرة "جرة أمل"، لا تملك من الجمال شيئا وجسمها به طول وقوة ولكنه كقطعة واحدة، ولكن ما أعجبه فيها هو حملها للجرة الكبيرة واضعة تحت ابطها ربطة كبيرة من حشائش البرسيم بما يوحي بقوة تعين في لحظات الضعف.


ثم ذهبا ليسبحا في مياه النهر الجاري حيث كل جموع الشباب هناك واسترسل صديقه في العوم بطول النهر وعرضه فأصابه الوهن فجأة فلم يقاوم القدر عندما حان، ورجعت الروح لبارئها وكانها وجدت حريتها من سجن الجسد، حاول الشباب عبثا الحيلولة دون وقوع الأجل ولكن أني يكون هذا، فكلنا عبيد للمولي والموت حق علينا كالميلاد، فحمل جسد صديقة وبعد الانتهاء من مراسم الدفن رجع الي الدار ليجد امه نائمة علي نفس الحصير، فقال لها يا أماه لقد وجدت امرأة لا جمال ولا دلال فيها كانت تملا المياه لتسقي الأهل، وإنني لأظنها بالقوية التي ستعينني علي بلاء الدنيا، فقالت الام بعدما جلست فنكمل الأمر إذا فموعد الحصاد أصبح قريبا.


لم يمض أسبوع علي الجواز حتي بداْ الحصاد فوهبهما الله رزقا جميلا، فقالت الزوجة لنبقي علي شئ منه ولنقايض الآخر بماشية نربيها نأكلها من أعشابنا وتأكلنا هي من ألبانها وأجبانها وتلد لنا صغارا نبيعها او نربيها فكلا الأمرين سيكون خيرا، فاخذ الكلمات علي محمل الجد فهذا هو حالة دائما، فشرعا في المقايضة والشراء والتربية والبيع، وهلت عليهم بشائر رزق جديد فقد عرفت الام العجوز ان علامات الحمل قد ظهرت علي زوجة ابنها علي الرغم ان جسدها مازال قطعة واحدة، وفي احد الأيام والزوجة تعين زوجها في حرث الأرض فإذ بآلام المخاض تفاجئها فانزوت الي مكان بعيد لتلد مولودا ذكرا، وأمسكت بمنجل في يدها لتتقطع حبله السري وتزج بالغلام في دنيا لا تعرف عن الرحمة شيئا، وأخذته الي زوجها فرحة فقبله بين عينيه وعادوا جميعا الي الدار ووضعوا المولود في المهد الذي أعدته العجوز قبل ذلك بحين ذي الشكل البيضاوي الذي يشبه الجرة كثيرا.

بقلم / حمدي غالب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شارك برأيك