الأربعاء، ديسمبر 19، 2012

مقال لأحمد منصور




سأقول اليوم نعم للدستور المصرى الجديد، لأسباب كثيرة، من أهمها أنى قرأت الدستور بعمق وتأكدت أنه رغم ما فيه من بعض الملاحظات يعتبر واحدا من أرقى الدساتير فى العالم، وأتحدى الذين سيذهبون ليقولوا لا أن يكونوا قد قرأوا الدستور، وإنما معظمهم أو كلهم سيقولون لا بسبب تأثرهم بالبرامج الفضائية والصحف اليومية التى تهاجم الدستور ليل نهار، لأن هذا هو موقف القائمين عليها. وأود أن أسأل هؤلاء: هل قدم أى منهم برنامجا أو كتب مقالا عن الإنصاف الذى قدمه الدستور للفلاحين المصريين وعمال اليومية البسطاء والفقراء والذين لا يجدون عملا، والمرأة المعيلة والأرملة والمطلقة، وذوى الاحتياجات الخاصة، وأصحاب المعاشات الذين أصبح أقل معاش لهم يوازى أدنى راتب فى الدولة وهو سبعمائة وخمسون جنيها؟ هل قرأوا عن الحقوق المدنية والسياسية التى أعطاها الدستور للإنسان المصرى، وعن حرية الفكر والرأى والإبداع بأشكاله المختلفة، وحقه فى الحصول على المعلومات والبيانات والإحصاءات والوثائق، وحقه فى إصدار الصحف وتملكها وتكوين الأحزاب السياسية وتنظيم الاجتماعات والتظاهرات السلمية وتكوين الجمعيات والمؤسسات؟ وهل قرأوا عن حقوق الإنسان الشخصية وكيف حفظ الدستور الجديد كرامة الإنسان ومنع التعدى على حريته أو بيته، وحَجَر على السلطات أن تحتجز أى إنسان اثنتى عشرة ساعة دون توجيه اتهام مكتوب، وأن يعرض على النيابة خلال أربع وعشرين ساعة، فى الوقت الذى كان يعتقل فيه الإنسان قبل ذلك لسنوات دون أن يوجه له اتهام أو يعرض على نيابة أو محكمة؟ هل قرأ هؤلاء عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وعن الضمانات التى كفلها الدستور لحماية الحقوق والحريات وأن كل اعتداء عليها جريمة لا تسقط بالتقادم؟ هل قرأ هؤلاء الذين سيقولون لا كيف أن الدستور قلص سلطات رئيس الجمهورية ومنح أغلبها لرئيس الحكومة ولم يعد عندنا الرئيس الملهم أو الرئيس الديكتاتور، حتى إن الرئيس لم يعد يستطيع أن يقيل رئيس الحكومة أو يعزله إلا بموافقة ثلثى أعضاء البرلمان، كما أنه يمارس سلطته بواسطة رئيس مجلس الوزراء ونوابه والوزراء عدا ما يتصل بالدفاع والأمن القومى والسياسة الخارجية، حيث أصبحت كل السلطات الأخرى بيد رئيس مجلس الوزراء؟ هل قرأ هؤلاء عن الصلاحيات الواسعة التى أصبحت لمجلس النواب ورقابته المشددة على الحكومة وعلى الرئيس، وعلى كل أعضاء الحكومة والمسئولين فى الدولة؟ وهل أدرك هؤلاء الذين لم يقرأوا الدستور أنه حوّل مصر إلى النظام شبه الرئاسى وليس النظام الرئاسى المطلق الذى كان من قبل، حيث أصبحت سلطات القضاء والبرلمان أكبر بكثير من سلطات رئيس الدولة؟ وهل أدرك هؤلاء أنه أصبح من حق ثلث أعضاء مجلس النواب توجيه تهمة الخيانة العظمى للرئيس، على أن يصدر قرار الاتهام بموافقة ثلثى الأعضاء، وأن رئيس الجمهورية يحاكم بعد صدور هذا القرار أمام محكمة خاصة يرأسها رئيس مجلس القضاء الأعلى؟ وهل علم هؤلاء أن الدستور الجديد قد ساوى بين القضاة بعدما كانت المكافآت والهبات طريقا لإفساد القضاة أو التمييز بينهم، وأنهم مستقلين غير قابلين للعزل ولا سلطان عليهم فى عملهم لغير القانون؟ وهل أدرك هؤلاء أن المحكمة الدستورية العليا أصبح عدد قضاتها أحد عشر قاضيا فقط بعدما كان النظام السابق يكافئ من يريد بعضوية المحكمة، وأن قضاتها أصبحوا متساوين مع غيرهم بعدما كانوا مميزين عن باقى القضاة؟ وهل يعلم هؤلاء أن هذا الدستور وضعته نخبة من كبار خبراء مصر وليس فصيلا واحدا كما يدعى المدلسون؟ لهذه الأسباب وغيرها سأقول «نعم» للدستور.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شارك برأيك