السبت، ديسمبر 29، 2012

حديث الأشعر بن هارون



    حديث الأشعر بن هارون
حدثنى الاشعر بن هارون ... أنه قال كنا فى ليلة عرس حسان بن النعمان عامل البستان ، على ابنة الشيخ رضوان الفران ، وكان حسان قليل المال معدوم الحال ، إلا أنه استطاع بإعجاز أن يوفر ثمن الشبكة والجهاز ، واعتبر أن ذلك إنجاز ، فاشترى تشت وحصير وكنبة وسرير ، وأكمل بيته بالجالوس وأضاء ظلمته بفانوس ، واجتهد فى ذلك إجتهاد حميد رغم فقره الشديد ، وبينما نحن جلوس أقبل علينا والد العريس ووالد العروس الشيخ النعمان والشيخ رضوان بدعوتنا مع الأعيان لأشهد عقد القران ، وبينما نحن فى إنتظار المأذون أخذنا نتسامر فى الشعر والبيان والقوافى والألحان ، نقطف من كل زهرة بستان ، حتى ابيضت الجباه وارتسمت البسمة على الشفاه ، وبينما نحن فى سمر ومرح بدأ القلق على أهل الفرح ، فقلد تأخر المأذون عن الميعاد المقترح ، فخرجنا جميعا لدى الباب واقفين كأننا الحجاب ، حتى ظهر من بعيد رجل غريب الأطوار ، عجيب ضخم القامة والبنيان ، يفزع صوت أنفه الصبيان ، وعلى جانبه الأيمن ابنه ، يحمل حقيبة سوداء قد حل بها البلاء ، وجلبابتهما مصبوغتا بالدهون ، كأنهم لم تبل من قبل بماء وصابون ، فظننت أنه عابر سبيل ، يحتاج إلى عون أو دليل ، حتى اخترق علينا المكان يسأل عن العريسان ، فقلت قف يا هذا ، من تكون ؟؟؟ فقال أنا المأذون !! فاندهشت ، وأدهش الجميع  وتعجبنا عجبا شديدا ، ثم شمر الرجل عن ذراعيه الأكمام قبل التحية أو السلام ، وصاح وكأنه يستغيث العشاء ، أعدوا لنا العشاء ، فما تناولنا إفطارا ولا غذاء، فالتهم ما أعدته أم حسان من لحمة وفتة بالمرق وطبيخ ، وما اشترت من الكنافة والحلوى والبطيخ ، ولازال ينبشا نبش الكلاب ، ويأكلا بغير حساب ، فلما فرغ من معمعة الطعام ، استرسل ببجاحة وبرود فى كلامه الغير معهود ، وراح يطالب بعلب الحلوى الغالية ، لينفخ بها الحقيبة البالية ، فهو يدعى أنها نصيب أولاده فى الدار وليس فى ذلك أسرار ، وجلس أخيرا وطلب منديلين جديدين ، فجاء بهما النعمان ، فأخذهما ووضع منديل فى جيب ابنه ، وعقد القران ، ووضع الثانى فى جيبه ، ثم صاح بصوت التاجر الفاجر ، ها قد أتى الان دور الحساب ، فاخرجوا لى الفلوس يااحباب ، فأخرج النعمان من الجنيهات ثمانون ورضوان عشرون ، فأخذهم وقال " بقشيش مقبول " واغلظ من صوته يصيح تارة ويصرخ تارة ، أنا أدفع ضرائب عن كل قسيمة ، فليدفع أهل المرؤة والعزيمة ، فقلت كم تريد يا مأذون يا مجنون ؟؟؟ فقال لنا أخذ على الزواج ثلاثة الآف وعلى الطلاق الفان ، فصاح حسان غضبان ، صارخا فى وجهه كالبركان " كما كتبت فطلقّ ، ونكتب فى  أى مكان ، فضحك المأذون وقال ، ستدفع الاجر أجران ... خمسة الآف ، ثلاثة للزواج وللطلاق الفاّن " فغضبنا لذلك غضبا ما بعده غضب ، وعجبنا عجبا ما بعده عجب ، إلى أن فاجأنا حسان بالخروج عن المكان ، ثم عاد مثلما كان ، وصاح بكذب وبهتان ، قد أتصلت بالبوليس الآن ، فيقضى بيننا بلا ظلم أو هوان ، ثم يوضع الجانى فى يد السّجان ، يفعل به ماهو بالإمكان ، وما كاد ينتهى من كلامه حسان ، حتى وجدنا المأذون وابنه يتأهبان للجرى والطيران ، وخلفهما حسان والنعمان وهما فى الضحك غارقان ، أمسك يا شويش اللصان  وهاهما هاربان ، إلى أن انقشعا وتركا المكان وكان هذا هو الختام
نصر عبد الموجود
مختارات من روائع صوت طوخ – العدد الرابع 99     

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شارك برأيك