حديث الأشعر بن هارون
حدثنى
الاشعر بن هارون ... أنه قال كنا فى ليلة عرس حسان بن النعمان عامل البستان ، على
ابنة الشيخ رضوان الفران ، وكان حسان قليل المال معدوم الحال ، إلا أنه استطاع
بإعجاز أن يوفر ثمن الشبكة والجهاز ، واعتبر أن ذلك إنجاز ، فاشترى تشت وحصير
وكنبة وسرير ، وأكمل بيته بالجالوس وأضاء ظلمته بفانوس ، واجتهد فى ذلك إجتهاد
حميد رغم فقره الشديد ، وبينما نحن جلوس أقبل علينا والد العريس ووالد العروس
الشيخ النعمان والشيخ رضوان بدعوتنا مع الأعيان لأشهد عقد القران ، وبينما نحن فى
إنتظار المأذون أخذنا نتسامر فى الشعر والبيان والقوافى والألحان ، نقطف من كل
زهرة بستان ، حتى ابيضت الجباه وارتسمت البسمة على الشفاه ، وبينما نحن فى سمر
ومرح بدأ القلق على أهل الفرح ، فقلد تأخر المأذون عن الميعاد المقترح ، فخرجنا
جميعا لدى الباب واقفين كأننا الحجاب ، حتى ظهر من بعيد رجل غريب الأطوار ، عجيب
ضخم القامة والبنيان ، يفزع صوت أنفه الصبيان ، وعلى جانبه الأيمن ابنه ، يحمل
حقيبة سوداء قد حل بها البلاء ، وجلبابتهما مصبوغتا بالدهون ، كأنهم لم تبل من قبل
بماء وصابون ، فظننت أنه عابر سبيل ، يحتاج إلى عون أو دليل ، حتى اخترق علينا
المكان يسأل عن العريسان ، فقلت قف يا هذا ، من تكون ؟؟؟ فقال أنا المأذون !!
فاندهشت ، وأدهش الجميع وتعجبنا عجبا
شديدا ، ثم شمر الرجل عن ذراعيه الأكمام قبل التحية أو السلام ، وصاح وكأنه يستغيث
العشاء ، أعدوا لنا العشاء ، فما تناولنا إفطارا ولا غذاء، فالتهم ما أعدته أم
حسان من لحمة وفتة بالمرق وطبيخ ، وما اشترت من الكنافة والحلوى والبطيخ ، ولازال
ينبشا نبش الكلاب ، ويأكلا بغير حساب ، فلما فرغ من معمعة الطعام ، استرسل ببجاحة
وبرود فى كلامه الغير معهود ، وراح يطالب بعلب الحلوى الغالية ، لينفخ بها الحقيبة
البالية ، فهو يدعى أنها نصيب أولاده فى الدار وليس فى ذلك أسرار ، وجلس أخيرا
وطلب منديلين جديدين ، فجاء بهما النعمان ، فأخذهما ووضع منديل فى جيب ابنه ، وعقد
القران ، ووضع الثانى فى جيبه ، ثم صاح بصوت التاجر الفاجر ، ها قد أتى الان دور
الحساب ، فاخرجوا لى الفلوس يااحباب ، فأخرج النعمان من الجنيهات ثمانون ورضوان
عشرون ، فأخذهم وقال " بقشيش مقبول " واغلظ من صوته يصيح تارة ويصرخ
تارة ، أنا أدفع ضرائب عن كل قسيمة ، فليدفع أهل المرؤة والعزيمة ، فقلت كم تريد
يا مأذون يا مجنون ؟؟؟ فقال لنا أخذ على الزواج ثلاثة الآف وعلى الطلاق الفان ،
فصاح حسان غضبان ، صارخا فى وجهه كالبركان " كما كتبت فطلقّ ، ونكتب فى أى مكان ، فضحك المأذون وقال ، ستدفع الاجر
أجران ... خمسة الآف ، ثلاثة للزواج وللطلاق الفاّن " فغضبنا لذلك غضبا ما
بعده غضب ، وعجبنا عجبا ما بعده عجب ، إلى أن فاجأنا حسان بالخروج عن المكان ، ثم
عاد مثلما كان ، وصاح بكذب وبهتان ، قد أتصلت بالبوليس الآن ، فيقضى بيننا بلا ظلم
أو هوان ، ثم يوضع الجانى فى يد السّجان ، يفعل به ماهو بالإمكان ، وما كاد ينتهى
من كلامه حسان ، حتى وجدنا المأذون وابنه يتأهبان للجرى والطيران ، وخلفهما حسان
والنعمان وهما فى الضحك غارقان ، أمسك يا شويش اللصان وهاهما هاربان ، إلى أن انقشعا وتركا المكان
وكان هذا هو الختام
نصر عبد
الموجود
مختارات
من روائع صوت طوخ – العدد الرابع 99
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
شارك برأيك