بعد الانتهاء من السعي بين الصفا والمروة، توجهت الي الحلاق فقصرت شعري ولم احلق، ثم ذهبت الي الفندق لأسترح من الوهن الذي ألم بي من الرحلة الشاقة علي مدار اليومين السابقين، ولكن بعد الاغتسال لم أتمالك نفسي، فركضت مسرعا نحو البيت العتيق، وكلما اقتربت أكثر تتلألأ الكعبة في عيناي أكثر، وحينها شرد ذهني هنيه، لأسمع طبول الحرب، و أري جيش من المحاربين السود يتقدمهم فيل عملاق وقد التفوا حول بيت الله الحرام، سكتت الطبول وخيم الصمت الرهيب علي المكان، لا اسمع غير صريخ بومة من ببعيد، ثم تقدم احد الفرسان السود، وتكلم بصوت أجش ولكن لا احد يفهم ما يقول، فتقدم احد عبيد سادة قريش ليترجم ما قال بأنهم جيش الملك المعظم أبرهة، وقد جاءوا الي مكة لهدم بيت العرب المقدس، فان لم يقاوم اهل قريش سلموا، فانظروا ماذا ترون.
ولكن أين أهل قريش؟ فاني لا أري غير بعض الشيوخ والصبية، ماذا يفعلوا أمام جيش جرار كهذا، ولكن أيتركون بيت الله الحرام يهد؟ فلماذا لا يستنجدون بالقبائل الاخري؟ ولكن كيف يكون ذلك ولكل قبيلة اله، فليس لديهم ما يجمعهم ويوحد كلمتهم، ولكن تخيل مثلا أن هذا الأبرهة جاء في العصر الحالي وكرر فعلته الدنيئة، تخيل ماذا سيفعل المليار ونصف مليار مسلم، ستجد الجنود يهبون من أقصي الشرق الي أقصي الغرب لنصرة بيت الله، نعم لكنا أذقناه وجنوده العذاب مرتين علي أيدينا قبل أن يذوقه من أقدام الطير، فلا وجه للمقارنة بيننا وين اهل قريش، فهم لم يعزهم الله بالإسلام.
فخرج احد شيوخ قريش والذي يبدوا انه احد سادتها أيضا، وطالب بلقاء الملك ابرهة، وهذا مارفضه الفارس رفضا تاما، ما تكون آنت ايها البدوي لتقابل ملك الحبشة، ولكن الملك وافق علي ذلك، وتوجه الشيخ والعبد الحبشي الي خيمة الملك، وقال يا ايها الملك لي عندك طلب، فقال قل، فقال الشيخ اطلب منك ان ترد الي غنمي، فاندهش الملك لطلب الشيخ وقال أتحاجينني في بعض غنمات وتترك بيتكم المقدس، فقال الشيخ غنمي تحت حمايتي، اما البيت فهو ليس بيتي وليس ببيت العرب المقدس أنما هو بيت الله الحرام، فللبيت رب يحميه.
وصلت الآن الي مكان الوضوء فتوضأت ودخلت الي المسجد الحرام من باب العمرة، وأديت تحية البيت بالطواف سبع مرات، ثم جلست في حجر إبراهيم، أدعو الله باي شي يخطر في بالي، بغفران الذنوب لي ولأبي وأمي وإخوتي وجموع المسلمين، وإذ بنحيب من يجلس بجواري يتزايد، لم اسمع منه غير كلمة هزت كياني واقشعر بسماعها بدني، القدس.......
أليس هو أيضا ببيت الله؟ اول قبلة للمسلمين، ثاني المساجد التي تشد اليها الرحال، اليس هذا من مقدسات امتنا، فهناك صلي نبينا صلي الله وعليه وسلم إماما بالأنبياء والمرسلين، ألا نهب لنجدته، ام نتخاذل، ونهرب مثلما فعل العرب قبل الإسلام مع ابرهه، فالموضوع الان ليس فتح ولا حماس ولا رامالله او غزه، بل انه بيت الله، انه القدس.
انا لا اخشي عليك يا قدس إنما انا اخشي علي نفسي، فالله الذي سوف يحميك سيحاسبني، لماذا فرطت في القدس يا عبدي، فبالله عليك يا قدسي اذكرني عند ربك انني كنت دائم الدعاء لك، فبالله عليك ياقدسي حررني من خوفي وذلي، طهر قلبي وروحي من ذل أصابها من بعد عز، امة المليار ونصف اختفت مثلما هرب اهل قريش من قبل، وكل خوفي أن ترجمني الطير بالحجارة قبل ان ترجم الفاجر المعتدي، انا لا اخشي عليك يا قدس إنما اخشي علي نفسي، اخشي ان أأتي يوم القيامة في زمرة راسبي اختبار القدس، اخشي ان ينادي المنادي هذا فلان كان موجود عندما حاول الفجر هدم القدس، اخشي ان يقول الجبار ماذا كنت تفعل حينها يا عبدي، كنت هنيئا قرير العين ولم تغير المنكر، لم تغيره ولا بأيدك او لسانك او حتي بقلبك، اليوم سوف تهون علينا كما هان عليك القدس، ادخل النار الان ولن تخرج منها ابد الدهر، فانا لا اخشي عليك يا قدسي إنما اخشي علي نفسي، فالله الذي سوف يحميك سيحاسبني.
بقلم / حمدي غالب طايع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
شارك برأيك