الطيب أديب
حكاية الصعاليك:===========
الصعلكة لغة تعني الفقر ، و بالرجوع لمعجم لسان العرب نجد الصعلوك "الفقير الذي لا مال له ، ولا اعتماد ، وقد تصعلك الرجال أي افتقروا ".وأماالصعلكة اصطلاحا فتعني في عرف التاريخ الأدبي " جماعة من مخالفين العرب الخارجين عن طاعة رؤساء قبائلهم .. وقد تطورت دلالة هذا المصطلح بحيث أصبح يدل على طائفة من الشعراء ممن كانوا يمتهنون الغزو والسلب والنهب"..والصعلكة ظاهرة اجتماعية برزت على هامش الحياة الجاهلية كرد فعل لبعض العادات و الممارسات ، و استمرت الصعلكة ردحاً من الزمن.
والصعاليك ثلاث طواثف :
* كان البعض من العرب يأنفون من إلحاق أبنائهم (أبناء الحبشيات السود) من الإماء بنسبهم وينبذونهم ، فكانوا يتمردون على ذويهم و يخرجون إلى الصحراء ، مثل : السُّليك بن السُّلكة ، وتأبط شراً ، و الشنفري .
* تتكون من تلك الزمرة الخارجة على أعراف القبيلة و المتمردة على مواثيقها ، وقد تخلت عنهم قبائلهم لما ارتكبوه من جرائم وحماقات ، وهؤلاء كانت تخلعهم قبائلهم ، مثل: حاجز الأزدي ، وقيس بن الحدادية ، وأبي الطمحان القيني ..
* فئة احترفت الصعلكة احترافاً وحولتها إلى ما يفوق الفروسية من خلال الأعمال الإيجابية التي كانوا يقومون بها ، وهذه الطائفة كانت تضم أفراداً و قبائل مثل : عروة بن ورد العبسي، وقبيلتي "فهم" و "هذيل" اللتين كانتا تنزلان بالقرب من الطائف ومكة وهم جماعة من الفقراء اللصوص ، انتشروا في الجزيرة العربية خرجوا عن طاعة رؤساء قبائلهم ولم يخضعوا للأعراف القبلية بل تمرّدوا عليها ، ولم يتقيدوا بالتزام القبيلة أو محالفاتها لقبائل أخرى أو تعرض القبيلة لأخطار جسيمة .
و عرف هؤلاء الصعاليك الشعراء بجرأتهم وإقدامهم على اقتحام المهالك ويمتازون بالشجاعة والصبر وسرعة العدو فكانوا من العدّائين الذين لا يجارون في سرعة عدوهم ، فالحياة والموت سواء في نظرهم و كانوا يغيرون على البدو والحضر ، ويقطعون الطريق ويغيرون على القوافل فيقتلون و يسلبون فيسرعون في النهب ; لذلك يتردد في شعرهم صيحات الجزع والفقر والثورة وكانوا يغزون على أقدامهم فإذا عدوا فاتوا مطارديهم فلم يدركوهم ، وكانوا يقولون الشعر الذي يصوّر أحوالهم ، وكان الصعاليك يجتمعون معاً في بعض الأحيان في غزو بعض القبائل،وكانوا يعطفون على الفقراء والمساكين ، وكثيراً ما كان هدف الغزوة توزيع الغنائم على ذوي الحاجة . و توجه غزواتهم عادةً إلى الأغنياء و البخلاء .
وحين نرجع إلى أخبار الصعاليك نجدها حافلة بالحديث عن الفقر ، فكل الصعاليك فقراء لا نستثني منهم أحداً حتى عروة بن الورد سيد الصعاليك الذين كانوا يلجئون إليه كلما قست عليهم الحياة ليجدوا مأوى حتى يستغنوا ، فالرواة يذكرون انه كان صعلوكا فقيرا مثلهم ،و اشتهر عروة بن ورد بالكرم والمروة وتغنى بالعدالة الاجنماعية حتى أن الخليفة الأموي عبدالملك بن مروان سأل وزراءه يوما:: من تريدون أن أباكم؟ أي: هل منكم من يريد أن أباه غير أبيه؟ قالوا: لا. ما أريد إلا أبي. قال: أما أنا فأريد أن أبي عروة بن الورد، لأنه يقول:
أتهزأ مني أن سمنت وأن تـرى .. بوجهي شحوب الحق والحق جاهد
أوزع جسمي في جسوم كثيرةٍ .. وأحسو قراح الماء والماء بارد
===========================
من كتابي : "أجمل الحكايات العربية"-صدر عن دار المعرفة للنشر –القاهرة 2012م.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
شارك برأيك