الثلاثاء، مايو 30، 2017

رواية : من طوخ إلى النمسا...أيام لا تنسى (4)



وقفت مذهولا وفى يدى حقيبة سفرى ، فى محطة قطارات Westbahnhoff أيقنت تماماً أن أشرف كان سراباً ، وخابت ظنونى فى الالتقاء به ، وحاولت فى هذة اللحظة أن أنساه .. وتواردت على ذهنى ومضات من الساعات الماضية ، والمجموعة المصريه فى مطار روما ، وتضاربت الأفكار ، وتصارعت الاّراء عندى ، وحسمت الأمر فورا ، لا تفكير فى أشرف ، وطردته من بالى تماما ، وأفتيتُ لنفسى بأحقيتى فى هضم علبة الكعك والبسكويت .. ذهاباً ، واياباً ، طلوعاً ، ونزولا على سلالم المحطة ، ودخلت الحمام ، وتشطفت ، واتوضأت ، وأخرجت قميصا من حقيبتى وانتحيت جانبا. وحقيبتى أمامى ورحت أصلى ، 

أصلى كل الأوقات التى فاتتنى ، وبدأت المحطة تفرغ من الناس ، والمحلات داخلها تغلق ابوابها ، ورايت عامل نظافة يشير بيدية لى بمغادرة المحطة ، ففهمت أن المحطه تُغلق عند أخر قطار كى تُغسل بالماء ، والصابون ، ويعاد تلميعها ، وتفتح قبل وصول وإقلاع اول القطارات . وخرجت من المحطة بحقيبتى وارتكنت جانب البوابه وحقيبتى جنبى ونظرت الى السماء ، واغرورقت عيناى بالدموع ، وبدأت الأفكار تتوارد الى ذهنى ، أين أنام الليل ، وقد شعرت بالتعب من السفر ، والتفكير والبكاء ، وتذكرت اكل الطائرة النمساوية وبدأت أسدد جوعى ، وزجاجة مياه بلاستيك . الاكل لا طعم له ، مع الجوع ، 

استشعرت فقدى للأمان .وكلما هاجمتنى مخاوف ، استجمعت قواى الداخلية .. انا لم اعرف شيء عن ڤيينا ، البلد جميله ، نظيفة ، وعرفت أن الأحد اجازة تغلق فيها كل المحلات . هذا يعنى الصبر حتى يوم الاثنين . ويوم الاثنين يكون ضاع من الفيزا 13 يوم وباقى لى 17 يوم فقط . وعبرت المحطة الى حديقة تتوسط الشارع امام المحطه ، اريد النوم ، تعبان ، مرهق ، وأشجار الحديقة متراصة متعانقه فيها كراسى ثابتة ، ومقاعد . 

Image may contain: 1 person, plant, outdoor and nature

وكنت فى قمة الحرج أجرجر حقيبتى مسبباً الإزعاج  الحمد لله وجدت ركن فاضى ، حافظة نقوى بجوازى معلقة فى رقبتى ، متخفية تحت ملابسى ، وحقيبتى بين أقدامى ، وتدلت رأسى ورحت فى نوم عميق .......


فزعت من نومى على صوت أُمى ، وتصورت أننى فى مصر ، وحاولت التمسك بالماضى قليلاً دون جدوى ، المطر غسل الأشجار حولى ، وابتلت ملابسى قليلاً ، فنهضت من مرقدى ، وجرجرت حقيبتى ، هرباً من ماء المطر ،

 غادرت الحديقة ، عابرا الشارع الى محطة القطارات المعهودة ، وإذا بها مفتوحة،الساعة تجاوزت الرابعة صباحاً ، دلفت الى دورة المياه والماء الساخن ، غسيل وتشطيف ، ووضؤ وعند الخامسة صليت ركعتى الصبح ، وملآت زجاجة الماء بماء الحنفية ، وأخرجت عدد من الكعك على بسكويت وكان هذا أفطارى .

. والبوسته داخل المحطه جلست لأكتب رساله لامى حتى لا تقلق ، ولا يساورها الشك فى تعبى ، فتحت حقيبتى فيها الأوراق والأقلام واشتريت كارت بصوره المحطه ، وكلما كتبت سطر شطبته ، وبكيت .. ماذا أقول لامى .. لا أستطيع أن أقول لها انى نمت ليلتى فى الحديقة ، ولم التقى بصاحب علبة كعك العيد أشرف ، ولم أغير ملابسى حتى الان ، ولم استقر بعد على مكان النوم . واستجمعت قواى ومزقت الخطاب ، واعدت سطورة من جديد ..
" اُمى وصلت ڤيينا بالسلامه ، وكل ماحولى جميل ، الطبيعة ، والشوارع ، والنظافة ، والجمال ، والهدوء . ولا يكن لديك شاغل وحينما استقر فى عنوان ثابت سأكتب لك العنوان"

  وارسلت الرساله وبحلقت حولى مرددا ، يا جماعة محدش يعرف أشرف ، وراجعت الورقة المكتوبة على الحائط فلم أُعثر فيها على أشرف .. خرجت من البوسته الى مكان ايداع الحقائيب داخل المحطة ، اخرجت من حقيبتى حقيبة أحملها على الظهر وقلم واوراق ، وقليلاً من الكعك والبسكويت وزجاجة الماء ، وأودعت حقيبتى فى أمانات المحطة حوالى 8 شلنات فى اليوم واعطانى رقم الحقيبة ، وبهذا تخففت من جرجرتها ورائى فى كل مكان .

. اليوم الأحد كل المحلات مُغلقة .. وخرجت من محطة القطارات .. بدون تفكير ، ولا هدف .. اللهم الا التعرف على الشوارع المحيطة بالمحطة ، حتى اذا مافتحت المحلات والشركات ابوابها صباح الاثنين كنت على دراية بالطريق من والى المحطه ، ولا شيء آخر ...

نتيجة بحث الصور عن ‪Mariahilferstrasse‬‏

تسٓمرت قدماى أمام كُشك لبيع المأكولات ، فى شارع Mariahilferstrasse ، البائعة ترتدى بالطو انيق ابيض ، وتقلب فى طاسه ، ع النار ، ونصف رغيف فينو تحشره فى خازوق ساخن ليصنع تجويف فتحشر فيه مايشبه صابع من السجق . وحواليها معلبات مختلفات لألوان مختلفة من الشراب . 

وقفت اتفرج وانا جوعان اريد شيء ساخن .. وطال انتظارى ، وإذا بشاب يضحك ويسألنى من اين .. قلت من مصر .. فرد مسلم .. نعم .. حديث بالانجليزية سريع فهمت منه أن هذا الاكل حرام .. فأشارت على رغيف الفينو ، وبرطمان مخلل خيار .. فقط .. فتحدث اليها وأعطيتها ورقة ماليه بالشلن واعطتنى الباقى .. 

ساندويتش فينو فى قلبه خيارة .. أهو تغيير والسلام .. وكان نزهة فى هذا الشارع الممتد .. اتطلع الى الڤاترينه ، لكل محل الوان ، وجمال ، وهدوء ، الشارع يكاد يكون شبه خالى .. وفى منتصفه عند Neubaugasse ثلاثة من بائعى الجرائد .. إحداهم مصرى .. وهنا تلقيت دُشَّ ساخن .. بلد تعبانه ، وانت طالب فرصتك ضعيفه ، باسبورك 6 شهور ، المصريون زادوا للغاية ، انصحك تبيع ورد أفضلك ، وأنضم اليه مصريان آخرين يؤكدون هذا الكلام ، وكم معك من أموال .. هههههه لن تكفيك 10 أيام .. حاول تنتهز فرصة تذكرة الرجوع ، وتعود لمصر احسن ، جزاكم الله كل خير ، 

وواصلت طريقى .. مابين جلوس وتأمل ، مابين ندم وألم ، مابين يأس ، وألم ، ودموع اكفكفها .. وهذة مجموعة اخرى من بائعى الجرايد .. بصراحة لا عمل فى ڤيينا الا إعلانات ، إو جرايد ، أو بيع ورد على القهاوى .. ولا تركب ترام فيه كمساري ، وإذا سمعت كلمة ( عباس ) انزل فورا ً من ألترماى وعبابيس معناها ( مفتشون )على التذاكر .. 
أخر ترام يحمل لوحة زرقاء . والسرائر كلها عندنا مشغوله ..واصلت مسيرتى حتى الحى الاول .. حى رائع لا يصدقه عقل ، مُتعه للعين جمال ناس ، وجمال مكان ، انبهار بكل شيء هنا الألوان مبهره ، والنظام ، والتنسيق ، طالت بى النظرات ، وامتدت ساعات طويله .. أتعرف على الشوارع ، ووجهوة الناس ، وكأنى ابحث عن ثغره اختراق .. مهموما، حزينا وانعطافات فى الحوارى الضيقة حتى ضاعت منى المحطه .. فانتهزت فرصة فتاه تنادى على فتى بكلمه Sacha وردتها اساله عن محطتى وأجابني هى قريبه من المكان الذى سيذهبون اليه .. وفجأة كُنَّا على الطريق الصحيح .. ذهبت الى المحطة وكلى ألم ، وتعب ، وعلى احد مقاعد المحطه ، حيث لا انا مسافر ، ولا انا قادم ، ولا انا منتظر ... رحت فى نوم عميق .

الأستاذ / سيد الحدقي
النمسا

حقوق الملكية الفكرية  محفوظة للكاتب ولموقع طوخ المعمورة 
.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شارك برأيك