أوهام الثراء السريع.. طريق البحث عن الآثار أوله “رصد” وآخره “خراب ديار”
10 يونيو، 2016
6:28 م
آثار مضبوطة
تحول التنقيب على الآثار إلى هوس أصاب شريحة كبيرة في الأقصر ، إلا أن أكثرهم يقعون كبش فداء لعمليات نصب كبيرة قد يدفعون حياتهم ثمنًا لها.
وبحسب مصدر بمباحث الآثار والسياحة فإن عمليات التنقيب عن الآثار زاد في الفترة الأخيرة ليصل إلى ما بين 12 إلى 15 بلاغ شهريًا، وجاءت مراكز إسنا و الطود والقرنة أكثر المراكز تنقيبًا عن الآثار.
إسنا أكثر المراكز بحثًا عن الآثار
ويتابع المصدر أن مدينة إسنا هي ذات النصيب الأكبر في عمليات الحفر والتنقيب، إذ تتركز مناطق تجارة الآثار والتنقيب غربي المدينة، وهناك حالات حفر وتنقيب تجري بعيدًا عن منازل الآهالي، دون علم الشرطة.
وعلى أية حال فإن أكثر محاولات التنقيب عن الآثار تنتهي بمآسٍ، وأقرب مثال على ذلك ما حدث الأسبوع الماضي، عندما انهار جزء من الجبل على 6 شباب من مدينة إسنا، كانوا يبحثون عن “الخبيئة”.
ماتا أسفل الجبل
“حفروا في الجبل 15 مترًا، فانهار جزء منه عليهم، مات اثنين وهرب باقي الستة”، بهذه الجملة بدأ أحد آهالي قرية العضايمة بإسنا جنوبي الأقصر، شاهد عيان عن جزء من الواقعة أيضًا، فضل عدم ذكر اسمه.
بدأ شهود العيان يروون تفاصيل الواقعة، بحسب ما تداولها أقارب المتوفين في بداية وقوعها يقول “أبلغنا آهالي أحد المشاركين في عملية الحفر أنهم تلقوا اتصالًا يفيد بأن حزءًا من الجبل انهار على ابنهم”
يضيف “بمجرد أن علمنا ذاك الخبر خرجنا على الفور في منتصف الليل أنا وبعض أهالي القرية وصعدنا الجيل، وأخذنا نبحث في الظلام عن المفقودين، ولم نستدل على المكان سوى في الساعة الخامسة فجرًا.
ذبح الأطفال لتقديمها كقرابين لفك الرصد الفرعوني:
أرواح الأطفال قرابين لفك “الرصد”
أحد الادوات التي يستعين بها المهووسون بالحفر والتنقيب عن الآثار هي تقديم القرابين لحراس الكنز الفرعوني، بحسب اعتقادهم، بدوي أحمد، 45 عامًا- موظف ، يقول إن التنقيب عن الآثار يتطلب أحيانًا ذبح أطفال لا ذنب لهم، ليقدموا قرابين لحراس الكنز، من أجل فك الرصد الفرعوني، وهو ماحدث بالفعل في أحد قرى مركز الطود جنوبي المحافظة، عندما استعان أحدهم بالمشعوذين، الذي طلب منه إحضار طفل يشترط أن يكون اسمه محمد، من أجل فك الرصد الفرعوني وإخراج الكنز الموجود بباطن الأرض في منزله، إلا أن محاولته لم تكتمل ، إذ إن الجيران الشرطة بعد أن سمعوا أصوات آلات الحفر.
ويتابع بعضهم يستعين بما يمسى الشيخ العلوي أو الشيخ السفلي، ليتلو طلاسم على باب الكنز ويشعل البخور حتى لا يتأذى أحد من حراس المقبرة أو الكنز، وهذا الشيخ يطلب مبالغ كبيرة رغمانه في النهاية قد لايجد اللقية .
لعنة الفراعنة والرصد
الطيب عبد الله حسن، المرشد السياحي والباحث في علم المصريات، يقول إن لعنة الفراعنة أو الرصد كلاهما خزعبلات لا أساس علمي لهما، مدللًا على ذلك بالبعثات العاملة في المواقع الأثرية والتي لم تصب بشيء من هذه الخرافات حسب قوله.
حسن يشير إلى أنه على افتراض أن هناك رصد فرعوني يتطلب الاستعانة بشيخ مغربي أو أردني للكشف عن مكان الأثر أليس من السهل على وزارة الآثار الاستعانة بهم بدلا من علماء الآثار الأجانب العاملين بالبعثات في المواقع الأثرية المصرية؟
وبحسب الدكتور منصور النوبي رئيس قسم الآثار المصرية بكلية الآثار جامعة جنوب الوادي، فإن لعنة الفراعنة شائعة يرجع أصلها إلى النصوص الفرعونية التي سُجلت على جدران بعض مقابر الفراعنة في مصر القديمة، بغرض حفظ هشاش المُتوفى، وهي أشياء سحرية كان يعتقد المصري القديم أنها تبعد أي أحد يحاول الاقتراب من المقبرة مثل “فلتصب اللعنة من يقترب من هذا المكان”، على اعتبار ان المقبرة التي تسرق أو يُعبث بها فإن صاحبها لن يُبعث ولن تكن له أبدية في العالم الآخر، بحسب اعتقاد الفراعنة.
يتابع لذلك سجل الفراعنة هذه النصوص على واجهات المقابر، فاقتنع بعض الناي أنه للفراعنة لعنة تصيب من يقترب من مقابرهم، وظهر ذلك عام 1922 عند اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون، ومن ثم انتقلت الشائعة.
نعود إلى الطيب عبد الله حسن الذي يقول إن “لعنة الفراعنة” اخترعها البريطانيون بعد اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون وإصابة عالم الآثار البريطاني هوارد كارتر ثم وفاته عقب دخوله المقبرة، ليشاع بعدها ان هناك ما يسمى “لعنة الفراعنة”
حسن يوضح أن كارتر أصيب بالبكتريا المكونة عبر 3 آلاف سنة عمر المقبرة، ما أثر على حياته بمجرد أن دخل المقبرة واستنشق هواءها، فاعتقد الناس أن ما أصاب كارتر هو لعنة الفراعنة.
الآثار المقلدة وتجار النصب الأثري
يوضح رئيس قسم الآثار المصرية أن عمليات الكشف عن الآثار والتنقيب عنها معظمها تجرى عن طريق النصب على المواطنين من خلال تقليد الآثار الفرعونية، إذ يصنع تجار الآثار المختصين في النصب الأثر تمثالًا مزيفًا، أو ألواحًا وصورًا فرعونية مصنعة حديثًا، وتعالج بطريقة معينة وتدفن في أماكن لإبلاغ بعض المهووسين بالتنقيب حتى يستخرجونها، ويتقاضون مقابل ذلك مبالغ طائلة.
لغز العثور على كنوز فرعونية صدفة
على جانب آخر فهناك حالات يعثر فيها أحد العمال على كنوز أثرية من قبيل الصدفة، الدكتور منصور النوبي، يقول إن أكثر هذه الكنوز حقيقي بالفعل، وأكثرها يكون عبارة عن مشغولات ذهبية وحلي.
يشير رئيس قسم الآثار المصرية بجامعة قنا إلى أن سر وجود هذه الكنوز أسفل المنازل يرجع إلى عصر الدولة القديمة، إذ كان عمال الحفريات القدماء الذين اشتغلوا في حفر مقابر الملوك، يسرقون هذه الحٌلي من المقابر من قبيل “سرقة ماخف وزنه وغلا ثمنه” ويدفنونها في أماكن بعيدة، لافتًا إلى أن بعضهم كان لايتسم بالأمانة، وبالتالي قد يموت العامل أو قد ينسى مكان خبيئته،ليجدها الناس بمحض الصدفة.
ويضيف أما عمليات التنقيب العشوائي التي تجرى حاليا فهي أمر حرمة القانون، وغالبًا ما تؤدي إلى فقد أـرواح المنقبين، لعدم اعتمادهم على أسس علمية، مستشهداً بحادثة الطود جنوبي الأقصر التي راح ضحية التنقيب خلالها في شهر رمضان الماضي أربعة أشخاص، حسب قوله.
مقابر ملوك الفراعنة وسر حفرها غرب النيل
تنتشر عمليات التنقيب بكثرة بقرى غرب النيل، ربما كان لذلك أسبابه إذ تنتشر مقابر الفراعنة في هذه المناطق بشكل أكبر، وهو الأمر الذي يوضحه رئيس قسم الآثار المصرية أن سر اختيار المصريين أماكن غرب النيل لحفر مقابرهم وإعدادها هناك بما تحويه المقابر من مقتنيات فرعونية له دلالة رمزية فى اعتقادهم، على أساس أن الميت تغرب روحه مع غروب الشمس وتعود مع إشراقها.
ويضيف الطيب عبد الله، أن الفراعنة اختاروا المناطق الجبلية وخاصة غرب النيل لإنشاء مقابرهم بها، بغرض الحفاظ على مقابرهم لارتفاع هذه المناطق وبعدها عن منسوب مياه النيل والمياة الجوفية.
يختتم رئيس قسم الآثار المصرية بكلية آثار جامعة جنوب الوادي حديثة بأن التنقيب عن الآثار ماهو إلا عبث بتاريخ الدولة المصرية، وعلى كل فئات المجتمع أن تشارك في محاربتها، وعلى كليات الآثار دور علمي يقع على عاتقها، إذ ينبغي عليها نشر الوعى الأثري بأهمية الحضارة المصرية وكذلك بث برامج إذاعية تحث على وجوب محاربة مثل هذه الظاهرة، بالاضافة إلى الناحية القانونية، إذ يجب تجريم هذا العمل وتوقيع أقصى عقوبة على من تسول له نفسه بيع آثار وتاريخ بلاده.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
شارك برأيك