علي الرغم من انه لم يكن احد أقاربنا أو جيراننا، إلا إنني كنت متلهف لعودته من الكويت، كنت ابن عشر سنوات عندما طلبت من أبي إرسال دراجة، فكانت إجابته بان إرسال الدراجة لابد أن يكون عن طريق البر وهذا يستلزم وقتا، ولكنه وعدني بإرسال شيئا أفضل منها مع اقرب عائد من الكويت، فبدأت أنا التدقيق والتحري والتمحيص، اسأل كل من أقابله "معرفش يا عمي مين اقرب واحد جاي من الكويت"، وتوصلت في النهاية إلي ان الحاج عبد المقصود هو أول العائدين، وواصلت التحريات حتى عرفت ان ابنه موجود معي في ذات المدرسة، ويصغرني بعامين ويلقبونه "بالكاركتر".
ففي صبيحة كل يوم وقبيل بدأ طابور الصباح كان علي التوجه إلي الكاراكتر لأعرف أن كان أبيه قد عاد أم لا، وإجابته كانت واحدة "مخبرش" نفي قاطع بعدم معرفته بأي شئ، وكنت استغرب مال هذا الصبي لا يأبه بعودته أبيه، حتى تملكني الريب، وكان شكي في محله، فهذا الكاراكتر كان ابن عبد المقصود آخر وليس عبد المقصود الذي اقصده، فلذلك كان الابن غير مهتم بعودة أبيه وهو بالكاد لم يتغرب أكثر من ساعتين في حقله.
وبدا الجميع يتخذني هزوا وسخرية، ويتلاعبون بمشاعري وأحاسيسي، ويجيبون عن أسئلتي بشان الحاج عبد المقصود بأكاذيب مختلقة، بأنه يقطن البيت المتواجد في شرق القرية، وآخرون يقولون في غربها أو شمالها أو جنوبها، فذهبت إلي جميع الأماكن والعناوين، لاكتشف هناك كم هو مقدار كذب الكبار، وكم أن روح الفكاهة لديهم طاغية علي أخلاقهم لتنسيهم العطف علي الصغير وتجعلهم يسخرون من دموع طفل يتساءل عن عنوان حامل الأماني والهدايا.
ثم جاء الخبر اليقين علي لسان لم اعهد عليه الكذب أبدا، بان الحاج عبد المقصود قد وصل في سلامة الله من السفر، وشرح لي كيفية الذهاب إلي بيته المتواجد في أطراف القرية، ولكن صدمت؟ لمعرفتي بانه خلال ذهابي اليه يتوجب علي السير من الطريق الرئيسي حيث كتاب الحاج علي – رحمه الله-، فتملكني الخوف لأنني تركت الكتاب وهربت في الصيف الماضي، وهكذا شعرت بان الله يعاقبني علي هجري للقران، يحرمني من هدايا وزخرف الدنيا كما سيحرمني من الجنة وزخرفها، فصليت ودعوت الله أن يغفر ذنبي وان يهديني إلي طريق الصواب والي حيلة أصل بها بيت الحاج عبد المقصود دون المرور علي كتاب الحاج علي، وتقبل الله صلاتي ودعواتي ويسر لي حالي وذهبت إلي هناك.
طرقت الباب، مرات ومرات، ولم اسمع إجابة، فبيوت القرية في القيلولة تشهد سكون تام، ولكني جبرت علي ذلك حيث كانت هذه خطتي باختيار فترة القيلولة لضمان أن الحاج علي – رحمه الله- نائم، ثم رايت باب الدار يفتح، ويطل علي وجه طفل في الثامنة من عمره، كأنه هو "الكاراكتر"!!، فانتابتني صدمة لضياع الوقت والمجهود والصلاة والدعاء للوصول إلي بيت عبد المقصود المحلي، وخيل لي وجه الكاراكتر كوجه شيطان، ولكن سرعان ما تبددت صدمتي بسماعه يقول "انت جاي تسلم علي خالي".
لم يعنيني كثيرا أمر تلك العائلة الغريبة، حيث فيها الأب والخال لهم نفس الاسم، وددت أن أتأكد أكثر من الكاراكتر الذي بدا وجهة يعود إلي آدميته ونوره الملائكي الذي بدأ يشع مع تأكيده بان خاله وصل صباح اليوم من الكويت، فطلبت منه أن يذهب إلي خاله لإحضار الأغراض المرسلة إلي، ذهب وغاب، وتململت من الانتظار، وينعشني الأمل، ويجري الخوف في عروقي، ورؤية الهدايا حلم يشجعني،
نستكمل في المرة القادمة أن كان في العمر بقية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
شارك برأيك