الاثنين، يوليو 12، 2010

مع السلامة يا أبو حسام

مع السلامة يا أبو حسام

فكرت أن اكتب شئ عن فلسفة الموت وعن فلسفة الحياة ولكني تراجعت في اللحظة الأخيرة لان الفلسفة مش حتكون خايلة عليا، فقد مات الزميل الدارس والمتقن لها، مات الأستاذ سيد ليثي الصديق الودود، مات ابو حسام الأخ الحنون، مات ابن الحاج ليثي محمود الذي كان منذ فترة قصيرة يلتمس العذر من أبيه لعدم حمله لنعشه، أقولها لك يا أبو حسام أن أباك تقبل العذر وسامحك، ولذلك حمل نعشك جميع أهل البلدة هنا في الكويت، وهناك في القاهرة، وهناك في مسقط راسك، وإن لم تصدقني فاسأله فانه بجوارك فكلاكما في دار الحق فالحديث سيكون صادقا بدون زخرف.

أبتدأ منين الحكاية، فمعرفتي بابي حسام كانت لا تتعدي كونه احد أصدقاء أخي، فلم يبخل معي بالنصائح حين أول ما قدمت الي الكويت، ولم يضن جهدا لإيجاد فرصة عمل لي، بصراحة كان يفعل هذا الشئ مع أي شخص جديد قادم من البلدة إلي هذه البلاد البعيدة بدون النظر انه ابن من او أخ من، ثم جاءت لحظة البداية الحقيقية في شهر فبراير او مارس من هذا العام عندما شاركت بأول كتاباتي في سجل زوار موقع طوخ فإذ بالأستاذ سيد ينقده نقدا أدبيا صرف، فأعطاني حقي مرتين حين مدح الأسلوب وحين اظهر العيوب لأتلاشها في المرة القادمة، واستمر النصح والتوجيه في كل الكتابات اللاحقة التي كانت تراجع لغويا من قبله أولا حتي لا تظهر بأخطائها الإملائية المخجلة، كان الدرع الذي احتمي به من أسهم النقد المصوبة الي صدري، كان الصخر الذي يحميني كلما هبت عواصف صحراء المدونة القاحلة.

ونشأ الحب والاحترام بيننا، والحب لا يقاس بوحدات الزمن ولكنه له معايره الخاصة، فلا يقال حب قديم ولا حب حديث العهد، فالحب كالموت فكلاهما لا يمكن استخدام صيغة التفضيل معه، فقد كان أبو حسام أول من لفت الانتباه إلي جهدي الأدبي، اول من دافع عني عندما كانت الضواري تطاردني، أول من روضني فكان ينتزع السموم من بعض كتاباتي ويحثني علي المحافظة علي علاقات المحبة مع الجميع، أول من عرفني علي كتبات المفكرين في صحيفة الشرق الاوسط، وكنت أنا آخر شخص نظر إليه، كنت أخر شخص متواجد معه، وعلي الرغم من ذلك فقد كنت آخر شخص يعي أن الأستاذ مات.

بسم الله الرحمن الرحيم "فلولا إذا بلغت الحلقوم ( 83 ) وأنتم حينئذ تنظرون ( 84 ) ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون ( 85 ) فلولا إن كنتم غير مدينين ( 86 ) ترجعونها إن كنتم صادقين ( 87 ) ) ." صدق الله العظيم


فقدت المعلم و الرفيق والصديق والأخ الكبير ،  فقدنا الحبيب  كم نحن نحبك ابا الحسام وكم انت غالي يا غالي ، مالك يا أيتها العين لا تبكي، ألا تشتاقي إلي حبيبك طول هذا الوقت، أم انه لم يتبقي فيك دموع، مالك أيها القلب لا تحزن أهل صرت صخرا أو غلفا، أم أن الحزن قد اعتصرك فلم تعد قادرا علي حزن او فرح، كم كانت الليالي ثقيلة نتقلب فيها كالجمر، نتضرع إليك يا الله كما أخذت فلذة أكبادنا أن تلقي علينا صبرا من لدنك، وان تتغمده برحمتك، صبرنا في اللحظة الاولي وتلقينا الصاعقة بقلوب مؤمنة ولكن لم نعد نحتمل، فقد بدأنا نفيق من ذهول الصدمة وبدا مفعولها المخدر يضيع فظهر لنا الألم المميت وبدا الحزن الصامت في الصراخ، يا الله بحق قبضك لروحة اسبغ علينا وعلي اهله صبرا جميلا، يالله بحق قبض روحة تقبلة في عداد الصالحين، واكتب له الفردوس الاعلي.

أيها الموت لا تخلني خائف منك ، فلم اعد أهابك كما كنت افعل من قبل، عندما كنت اسمع نعي المساجد فاهرع إلي حضن أمي لاختبئ منك، ولكن بعد موت الرفيق أمام عيناي لم اعد أهابك، كان بالأمس القريب نجلس علي احدي المقاهي نتبادل الأفكار والضحكات والآن يرقد تحت التراب، أتسمعني يا ايها الموت لم اعد اهابك ولن اهرع إلي حضن أمي لاختبئ منك لم تعد مخيفا كما كنت، فإنني انزع عن نفسي ثيابها كاشفا لك عن صدري، فتعالي ولا تخف فإني انتظرك، تعالي في أي وقت تريد، وتعالي الي عاري او متخفيا في هيئة سيارة أو راكضا علي سقالة أو متعلقا في حبل كرين او رافعة، تعالي كما تريد ستجدني مقيما للصلاة قانتا لربي مستعدا للرحيل، تعالي ستجدني اركض إليك ركضا وان خيرت سأختار مقابلة وجه كريم.

في كل عام كان المصريون القدامي يقدمون احلي واعف بناتهم كقربان إلي النيل ليستمر في عطاء الخيرات، وها نحن نفعل الشئ نفسه ولكننا نقدم زينة الرجال هنا في هذه البلاد البعيدة، فما من عام يمر الي بفراق احلي الشباب وأنبلهم، ولكن لن يعيقنا هذا عن مواصلة الجهاد من اجل لقمة العيش الشريفة الحلال الطيبة، فلن نتقهقر ولن نهرب إلي أحضان أمهاتنا، سنواصل العمل والعمل وان جاء الموت لنا سنموت رجالا ، كالرمز والحبيب سيد فقد عاش رجلا ومات رجلا ادعوا له بالرحمة والمغفرة . وكما كانت بدايات كتاباتي معك سوف تكون نهايتها معك فسامحني فلا استطيع المواصلة وان كان هذا لم تكن تتمناه

حمدي احمد طايع

هناك تعليق واحد:

  1. احيك يااخ حمدي علي كلامك ولكن دة امر ربنا واحناملناش في نفسناشيءويجب علينا وعليك كلما تذكرنا ابو حسام نتذكر كذلك مصيبتنا فى رسول الله فأنه يهون علينا ما نحس به من فراق فالرسول كا ن قدوتنا ولكنه قد رحل مثل اى انسان ويجب علينا ان نتمسك بكتاب الله لكى يصبرنا على فراقه
    وانا مش معاك انك تبطل كتابتك الرائعة لان الذى يحب شخص يحب ان يحقق له شئ كان يتمنى ان يفعله فمن كلامك ان ابو حسام كان نفسه ان تستمر فى كتاباتك فانت لم تحققها فى حياته فحققها فى مماته واخيرا ندعوا الله ان يرحمه ويسكنه فسيح جناته ويصبرنا ويصبر اهله على فراقه
    قال تعالى **كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلا والاكرام**صدق الله العظيم **نسألكم الفاتحة على روح امواتنا جميعا**
    أختك فى الله **أم نور *م**

    ردحذف

شارك برأيك