المتأمل لمجتمعنا الطوخى يجد أنه مجتمع فريد من نوعه، يختلف تماما عن بقية المجتمعات القروية الآخرى،حاولت بقدر الإمكان أن أجد لذلك تفسيرا ،هل هى الجذور الحضارية الفرعونية القديمة ؟ وجدت أنه يفصلنا عنها ألاف السنين ، بالإضافة إلي إشتراك مجتمعات قروية أخري معنا فى نفس الحضارة ، هل هى الحضارة الإسلامية ؟ قد يكون ذلك بحكم التجاور المكاني لأحدي المدن الهامة فى التاريخ الإسلامى التى كان لنا معها إحتكاك مباشر وهى مدينة " قوص " التى تعتبر معبر من معابر الحضارة الإسلامية إلي مصر ،ولكن وجدت أيضا أنه يشترك معنا فى هذا العديد من المجتمعات القروية الآخري ومع ذلك المجتمع الطوخى يختلف عنها بخصوصيته ،اذن ما هو السبب ؟
رجعت إلى العصر الحديث فوجدت أن أبناء طوخ كان وما زال لهم إحتكاك مباشر مع أهم المراكز الحضارية والثقافية فى العالم ألا وهى " القاهرة " عن طريق إنتقال أعداد كبيرة فى أربعينيات وخمسينيات القرن الماضى إلى القاهرة بحثا عن فرصة عمل أفضل ،ثم توالت الإنتقالات إلى أن وصلنا حاليا إلى درجة أنه لا توجد عائلة فى طوخ إلا ولها إمتداد أسري فى القاهرة فإنعكس ذلك على وضع المجتمع الطوخى فحصل على نصيب وافر من الرقي والتمدن فى جميع أنماط المعيشة ،فى المأكل والملبس والمسكن وحتى فى اللغة وطريقة النطق يتميز بالإعتدال وحتى فى طريقة التعامل مع الآخر أيضا وذلك واضح من خلال العديد من المواقف التي تصادف أبناء طوخ سواء في نقادة أو فى قنا ،تجد الآخر يعرف إنك من طوخ بمجرد أن تتبادل أطراف الحديث معه وحتى فى إنتقاله إلى القاهرة كان الطوخى متميزا بحرصه علي أن تظل صلته بمسقط رأسه مستمرة وذلك بمد جسور التواصل المختلفة مع قريته وهذا نادرا ما تجده في بعض المجتمعات الآخرى التى هاجر أبنائها إلى القاهرة هجرة دائمة .
وأنا أعتقد أن الطوخى بإنتقاله إلي القاهرة في وقت مبكر أستطاع أن يتجاوز " الصدمة الحضارية الأولى " التى تصيب أبناء القري عند الإنتقال إلى المدينة حيث يصاب القروى بالدهشة عند النزول إلى القاهرة ويمشى فى الشارع شاخصا ببصره إلى أعلي يعد طوابق العمارات وأن كان يجيد القراءة يقرأ اللافتات إلى أن يصطدم بأحد المارة أو بعمود إنارة فيقع على وجهه (راجع نفسك ).
ووجدت فى العصر الحديث أيضا سببا آخر قد ساهم في خصوصية المجتمع الطوخى وهو سفر العديد من أبنائه إلى الدول العربية الغنية منذ ستينيات القرن الماضي وما ترتب على ذلك من الإحتكاك بثقافات أخرى أثرت عليه بشكل كبير فى جميع نواحي الحياة ،حتى وأن أشترك معنا في ذلك أبناء القري الأخري تجد أن التأثير مختلف .
ومن الممكن ان يكون إمتزاج كل ما سبق على مر السنين هو الذى أنتج هذه الخصوصية الفريدة التي يتمتع بها مجتمعنا الطوخي .
وحاليا أجد أن مجتمعنا الطوخى يمر بمرحلة هامة وخطيرة تشكل منعطف حاد أطلقت عليها اسم " الصدمة الحضارية الثانية " ألا وهى التعامل مع تقنيات العصر الحديث المتمثلة فى " الإنترنت " بسلبياته وإيجابياته بعد أن أصبح الإنترنت في غالبية البيوت فمن السهولة دس السم فى العسل فأتمنى أن يتجاوز مجتمعنا هذه الصدمة مبكرا كما تجاوز صدمة الإنتقال إلي القاهرة وألا يقع علي وجهه مثل القروي الساذج ليظل محافظا على الخصوصية التي يتمتع بها وفي تقديري أن شباب طوخ قادرون على ذلك بما لديهم من وعي حضاري وتراث زاخر فريد من نوعه .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
شارك برأيك