الثلاثاء، مايو 18، 2010

عقدة أفلاطون أ. سيد ليثي محمود

عقدة أفـلاطون
حلم " أفلاطون " بالمدينة الفاضلة وقد فارق الحياة ولم ير ذلك الحلم يتجسد علي أرض الحقيقة وسينتهي الكون دون أن ننعم بالعيش في تلك المدينة الأفلاطونية ،وهذا ليس أمرا غريبا ولا خروجا عن القاعدة ،بل هي سنة الخالق في خلقه ،خلق أدم لعبادته ،وأمهل الشيطان إلي يوم يبعثون ، وهبط الجميع إلي الأرض ،بعضهم عدو بعض ،فالخير والشر ،والفضيلة والرذيلة ،موجودان إلي يوم الدين ،فلا مكان للمدن الفاضلة التي كان يحلم بها السيد " أفلاطون "
ولكن !
من يملك الجرأة ويعترف بأنه ليس من الملائكة ؟ كل من يقرأني الآن يري نفسه بأنه
( حالة خاصة ) وربما ( طفرة جينية ) كل المثل لديه لا تنتهك ، وهو حامل لواء القيم نحو بناء المدينة الفاضلة ،وغير مؤمن بأنه بشر ،غير منزه ولا معصوم ،معه شيطانه وقرينه الذي يسول له ،وله نفس وهوي، وقلة هم القادرون علي التحكم في ذواتهم .
الكارثة .........
أن من يري نفسه كذلك ينظر للغير علي أنهم مجردون من كل فضيلة ،عيب من اخترع المرآة ،أنه أكتفي بأن ننظر لمظاهرنا من خلالها ،حرصا علي الشكل الخارجي فقط 
لدينا حساسية مفرطة من النقد .........وننظر لمن يعيبنا أو ينتقدنا بأنه حاقد وحاسد لنا علي قدراتنا الخارقة ،وتميزنا اللامحدود ،ولو وقف الواحد منا مع نفسه لوجد أنه إنسان ( بسيط )
غير خارق للعادة ،ولا سفير فوق العادة ،ونعلم ذلك في قرارة أنفسنا ،ولكننا نعاني من عقدة
( أفلاطون ) والمدينة الفاضلة
نعم أنا أريد أن أكون ،وأنت كذلك ،لكننا نبقي بشر نعج بالذنوب والعيوب ، حقيقة يجب أن نعترف بها ،ونعمل علي تحسين صورنا التي يكفي ما فيها من تشويه ،غير قابل لأمهر عمليات التجميل !
حتي في حوارتنا ونقاشنا في قضايانا نصر علي رفض الآخر وعدم تقبله ،لأننا الأصح وقادة
( مكارم الأخلاق ) ،نملك إصرارا عجيبا علي عدم الإقتناع بالرأي الأخر ،بالرغم من حالات الاعوجاج التي نعاني منها وتحتاج لطرح ونقاش واع ،بعيدا عن كل التشنجات والقناعات الشخصية ،نفتقد المرونة في كل اختلاف وكأن أرائنا ( عقائد ) سلمنا بها لا تحتمل النقاش ولا الأخذ والرد !
وبصراحة لا نلام علي ذلك ! فالجامعة العربية منذ إنشائها لم تتخذ قرارا واحد ا بالإجماع ! وحتى المفاوضات مع العدو ،صنفها الأخوة الفرقاء إلي ( مباشرة ) و (غير مباشرة ) فأي زيف هذا الذي نعيش فيه ؟
وفي عصر الأقنعة ......
حتى اختراعات الدول المتقدمة التي وصلت إلينا متأخرة ،نستخدمها أسوأ استخدام ،فاالأنترنت
بدلا من أن يكون قناة للثقافة والحوار وتبادل الخبرات ، أصبح ميدانا لكثرة ( الملائكة ) وأصحاب المثل القابعين خلف الأقنعة ،فأصبح أرضا خصبة لإفرازاتنا النفسية وتحقيق أحلامنا عبر أوهامنا ،فكل من لم يستطع أن يكون ( مثاليا ) في الحياة وعنصر ا صالحا في المجتمع ،كل ما عليه أن يرتدي قناعا يتخفي خلفه ويحمل راية ( المصحح ) لأنه هو الوحيد حامي الحمي !
مع أن الأقنعة قد سقطت بسقوط ( صدام حسين )
ليس معني كلامي هذا بأنني وحدي أغرد خارج السرب ، بل ربما كنت أكثركم غرقا في العيوب ،لكن هل أعترفنا بذلك ،وحاولنا أن نتخلص من عيوبنا ؟ وندل بعضنا علي كل مظاهر ( النقص ) التي تعترينا ؟ مستحيل أن نتقبل عيوبنا من الآخرين ، رغم أن بعضنا متيقن من تلك العيوب ،لكن الإعتراف يجعله ( دون ) الطموح ذلك الطموح الذي لا يختلف عن أحلام ( أفلاطون )
تساؤلات عابرة :
متي ننظر إلي دواخلنا ،ومحيطنا ونترك الغرور ، ونحاول تصحيح حالات النفاق الذاتي لدينا ؟
متي نمنح أنفسنا درجة معقولة من الوعي ،تجعلنا قادرين علي تقبل ما نتلقاه من أقوال وأفعال ،حتي وان كانت خاطئة ونحن الأصح ؟، الوعي كفيل بأن نحسن التعامل مع تلك المواقف ،
نحن نرتكز بطبيعة الحال علي ( عقيدتنا ) وعاداتنا وتربيتنا ،ولكن متي نكون قادرين علي الإستنباط وتحكيم العقول ؟ فعلماء المسلمين كانت أكثر مناظراتهم ( بالعقل ) لا ( بالنقل ) لأنهم يتحاورون مع أطراف لا تؤمن بدليل نقلي وإلا لما ناقشوهم .
متي نستغل كل قنوات الحوار ومن ضمنها الأنترنت في علاج مشاكلنا ،وإبراز مواهبنا وتقوية أقلامنا ؟
فالقلم والكتابة لدينا قبل الأنترنت كانت تعاني وتعاني لضيق ميدانها ،فكانت أكثر الأقلام تكتب لأصحابها فقط ،فلماذا لا نستغل هذا الميدان الذي توفر لنا مؤخرا لنرتقي بمجتمعنا أمام من يقرأنا ( أقصد أمام من يراقبنا ليتصيد أخطاؤنا !)
المشكلة أن البعض منا مازال يعيش في أبراجه العاجية والوهمية ،أنه لا يعلم بأن كل العالم يعرف بأنه ليس كذلك ،لسبب بسيط فقط هو ............ أن ( أفلاطون ) لم يحقق حلمه !

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شارك برأيك