السبت، سبتمبر 05، 2015

حمدي غالب يكتب : لن أشتري البمب


لن أشترى البمب


كان لليوم الدراسي الاول رونقه الخاص، فنحن تلاميذ المدرسة الابتدائية كنا ننتظر بلهفة " العودة للمدرسة" بعد انتهاء العطلة الصيفية، حيث سنرتدي – بعد طول غياب- قميص وبنطلون، وغالبيتنا كانوا من ابناء العاملين في الخارج، فكانت تأتينا الملابس الجديدة وكنا نستعد لهذه المناسبة قبلها باسبوع على اقل تقدير،


ولنبرهن بأن ملابسنا جديدة كان البعض منا يترك "اللزاق" الذى يحمل الاسم عليها كدليل ان والده قد ارسلها له من الكويت منذ فترة قصيرة.


وقتها كنت اخر العنقود فلم يبخل على الاهل "بربع جنيه حي" مصروف للمدرسة، وبهذا المبلغ الضخم كنت ابتاع لنفسي عدد 2 سندوتش طعمية، ربطة جزر ولربما برتقالة. وعند العودة إلى البيت كان يعطوني مصروف المرح، لابتاع العصائر والحلوى "التوفيه" والبمب.


ولكن العام الدراسي 1990-1991 كان عام مختلف، حيث اجبرت ظروف الغزو الصدامي الغاشم لدولة الكويت جميع اهلنا العاملين في الكويت على الاستقرار في مصر، فى بداية الامر كانت الفرحة بعودة اهلنا سالمين جعلتنا نغفل عن الاوقات العصيبة التى سنواجهها في المستقبل القريب والقريب جدا، فالغالبية العظمي من اسر القرية تعتمد اعتماد كليا على الترزق من دولة الكويت.


كنت وقتها طفلا ، ابن عشر سنوات لا حيلة لدي، لا أعرف كيف اساعد والدى في هذه الظروف الاقتصادية الصعبة، وعلى الرغم من محاولات الجميع لابعادى عن هذه الازمة إلا انني كنت لا اقبل فكرة التخلى عن مسؤوليتي في مساعدة والدى في هذه الأوقات العصيبة.

قررت وقتها أن اقضى كل مصالح البيت - حيث كانوا يرسلونى لابتاع لهم الاشياء من المحلات القريبة – بدون مقابل وبدون أجر وبدون "خنسرة"، ثم وزيادة فى اجراءات التقشف قررت الا ابتاع البمب، كيف اهدر المال فى شئ لا فائدة من وراءه، فلوس أبى اضيعها فى متعة عبيطة وزائلة مثل تفجير البمب.

ومع اقتراب اليوم الدراسيى الاول، كان أبى متواجد حينها في زيارة للقاهرة، ووجدتها فرصة لابحث عن حقيبتي القديمة من العام المنصرم حتى لا اكلفه عناء شراء شنطة مدرسية جديدة، وجدتها بعد بحث كبير وسط كراكيب كثيرة، اخذتها ونظفتها وغسلتها ونشرتها، كنت افعل ذلك والكل ينظر لى في صمت

قبل طابور الصباح، كنت ارتدي بنطلون وقميص جديدين ارسلهم لى أبى قبل عام ولكننى لم ألبسهما في ذلك الوقت لأن ولحسن الحظ كان مقاسهما كبير، وكنت امسك بكل شموخ حقيبتي القديمة، انتهي الطابور وبدات اول حصة دراسية وجاء المدرس المحترم ووجهنا لنا التحية وامرنا باخراج الكراس والقلم، وضعت يدي في حقيبتي فإذ بجزء من قفل الحقيبة كان بارز فاصاب يدى بجرح احد صوابعها، وسال الدم. 

لم يصيبني الضيق قط، فعندما تريد ان تكون من الرجال فعليك ان تتصرف كرجل، جاءت الفسحة وتسابق جميع التلاميذ ليشتروا سندوتشات إلا انا، امسكت "الربع جنيه الحي" وطويته ووضعته فى جيبي، وقررت التوجه لبيتنا القريب للاكل واشرب هناك مجانا فلا داعي لتبديد المال.

ظل الربع جنيه في جيبي لمدة اسبوع او اكثر، واصلحت العطب التقني في حقيبتي، فكنت اضع يدي دون ان يصيبني اذى، 

عاد أبى من زيارته للقاهرة وفور وصوله اعطوه تقرير كامل عن حالاتى وعن تصرفاتى وموقفي، فجاءنى وكنت وحيدا احل الواجب واذاكر دروسي، وقال "يالا شد يحلك عشان تطلع الاول وتشرفني كدة، وحاجبلك عجلة كبيرة اكبر من بتاعة السنة اللى فاتت" فقلت "انا حاطلع الاول عشان اشرفك ولا عايز عجلة ولا حاجة". وعد حافظت عليه بفضل من الله هذا الاعوام والاعوام التالية.

أثني على موقفي وتصرفاتي وتحملى للمسؤولية، وهمس فى اذنى "متخافش احنا عندنا فلوس كتير، وجبتلك شنطة للمدرسة كبيرة وغالية" رميت نفسي في حضنه، ونظرت لحقيبتي الجديدة بكل فرح. حقاً حقيبة غالية وفخمة!!


"لن اشتري البمب" عندما كنت طفلا حتى لا ابدد مال ابى

"لن اشتري السجائر" عندما اصبحت عائلا حتى لا اغضب الله بتبديد صحتى ومال اسرتى الذى جنيته في الغربة

"لن اضيع موهبتي" لقد حبانى الله بموهبة ادبية اثني عليها الجميع، فوعد منى لن ابددها فى امور جانبية، وساسخرها لكل ما هو هادف ومفيد














ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شارك برأيك