الثلاثاء، مارس 01، 2016

حمدي غالب يكتب: باقيلك يومين ونص


باقيلك يومين ونص


استيقظت من النوم مفزوعاً، أبحث عن كوب الماء لأرتوي، يداي ترتجف وقلبي يخفق وكأنه "وابور ري"، استعذ بالله ليصرف عني الهلع، فذهبت لأحد الصالحين أقصص عليه الرؤيا التي افزعتني، لعلي أجد تفسير يريح بالي









رأيت يا مولانا بأن هناك رجل عجوز قد بلغ من العمر عتيا، نحيل البدن لحيته طويلة قد اختفي بياضها تحت لون الحناء، جاءني راكبا على ظهر ناقة لها جناحان، تقفز كالجراد وتطير كالنسور، ثم هبطت ناقته عند باب غرفتي، ونادي على باسمي ثلاث مرات متتالية، كنت حينها أصلي الوتر فما ان انتهيت من صلاتي حتى توجهت اليه، اعطاني ورقة مكتوب عليها حروف متناثرة، ونظر في عيني وربت علي كتفي قائلا مع السلامة، وجلست مكاني أحاول فك طلاسم الورقة، استغرق مني الوقت كثيرا، حتى نجحت في فك طلاسمها مكتوب على الورقة "باقيلك يومين ونص".


ظللت في حيرتي الباهر، ابحث بعيناي عن هذا العجوز وناقته الطائرة في سماء الكون المظلمة، لم اره ولكن جاءني صوته من وراء السحاب، "ايوة حتموت وبقيلك يومين ونص"، واستيقظت يا مولانا من نومي فزعا، واتيت اليك لتجد لي تفسيرا.


ففرك الشيخ مفسر الاحلام في رأسه ثم قال: يا ولدي على المسلم الا يفزع من الموت، وعليه دائما ان يكون على يقين بأن الموت قريب جدا أقرب إليه من حبل الوريد، ورؤياك لا تغير من الواقع شئيا، فما يدريك فلعلك تموت قبل اليومين ونص، فكن مستعدا دائما للموت.


لم يزدني رد الشيخ إلا ارتباكا، وقررت أن اعمل بالنصيحة أن استعد للموت، وبما انه لا أستطيع أن اهرب فسوف اواجه الموت، سأظل فترة "اليومين ونص" قابعا في المسجد ارتل القرآن واصلي الفروض والنوافل، لن اترك المسجد حتي يأتي ملك الموت ويقبض روحي وانا ساجد لله تعالي.


نظرت في ساعاتي لاري كم تبقي لي من وقت حياتي، مرت عشر ساعات من المهلة، يعني تبقي لي 50 ساعة، لم اضع المزيد من الوقت، وامسكت بالمصحف أرتل وأرتل حتى انهيت ثلاثة أجزاء كاملة، صليت العصر حاضرا، وامسكت بالمصحف تارة اخري، ولكني تذكرت عائلتي، وخطرت لي فكرة، ان اسافر لأموت هناك فلعل امي تدعي لي فيخفف عني سكرات الموت.


قبلت المصحف ووضعته على الرف، وتوجهت الي بيت الكفيل، حتى احضر جواز سفري، توسلت لزوجته حتى تجعله يستيقظ فالأمر جلل، وسألني لما اللهفة ولم العجل، فخشيت ان احكي له عن الحقيقة فلا يصدقني، فاضطررت ان اكذب عليه، وا اسفاه كذبت وأنا على مشارف الموت، ولكني كنت مضطرا، اخذت الجواز بعد ان دفعت دنانير كثيرة كانت باقية له من تكاليف "دق الإقامة"، وعلى الرغم باني لن استفيد من المدة الباقية في الإقامة الا انني دفعت حتى أأخذ جواز سفر، اشتريت حريتي بالمال. توجهت إلى مكتب حجز التذاكر، ووضعوني على قائمة الانتظار لعدم توفر أماكن في طائرة اليوم.


باقي من الزمن 40 ساعة، لاستغل الوقت قبل السفر في تحصيل "اليوميات" المتأخرة عن بعض المقاولين، واتصل بهذا وذاك، كنت لحوحا في طلبي على غير العادة، لمعرفتي ان كل "فلس" سيكون له نفعا لعائلتي، حصلت ما استطعت ان افوز به من قبضة "المقاولين" وسجلت الباقي في وريقة صغيرة وسأتركها مع أحد الصحاب ليقوم بالواجب بعد وفاتي، ثم اتجهت الي السوف لأشتري بعض الأغراض، لأفرح بها المستقبلون هناك، انشغلت في تحصيل المال وانفاقه عن الصلاة، وأسفاه لم أصلي الأوقات المفروضة وانا على مشارف الموت.


لم أريد اعلام الكثير من الصحاب والاقارب بموعد سفري، لأني لا أستطيع لهم التبرير، ومهما قلت فلن يصدقني أحد وسيتلامزون فيما بينهم بأن "الشوق اخده، رجعت لمكتب حجز التذاكر لأتأكد ان كان تم حجز مقعد لي ولا لا، انتظرت هناك قرابة الساعة، وانا اقلب في سجلات حياتي، ثم ارجع الي الواقع مرة اخري وأقول هل يعقل هذا، حياتي على مشارف انتهائها وانا اضيعها في الانتظار للحصول على تذكرة للعودة للوطن، لم استطع حجز تذكرة مباشرة الي مطار الأقصر الأقرب إلى بيتي لأوفر وقت السفر، ولكني قبلت مرغما السفر الي مطار أسيوط مما سيضيع مني اربع ساعات اخري ولكن لا خيار.


بعد رحلة عناء كثيرة، وصلت للبيت، وباقي في حياتي 5 ساعات، مرت كأنها خمس دقائق كعادة الأوقات الجميلة، وقبيل انتهائها اغتسلت وتوضأت وصليت ركعتين لله، ثم ثقلت جفوني حتى أغلقت، لأجد نفسي في مكان مظلم تماماً، لا أدري اهل انا مت وهذا قبري، أم انني نائم على سريري في غرفتي المظلمة وان ما مضي ما كان غير حلم.


ولكن لا يوجد فرق كبير، فان طالت الحياة ام قصرت فسوف تنتهي، ولن يهرب المرء من قدره، وقدر المرء هو الموت، فمهما كان الباقي في حياتنا من وقت سواء يومين ونصف او عامين ونصف او مائة عام فسنقضيها في كبد نلهث خلف المال وراحة البال ولن نعبد الخالق حق عبادته، وسنقضيها في حرب ونزاع مع غرائزنا، الفالح من انتصر الخير جواه

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شارك برأيك