أحتضنتنى الحديقة ، امضيت سواد الليل فيها .. هى غرفة نومى ، وابتعادى عن الدنيا ، تحت ظلال أشجارها هدوء ، ووداعة ، حتى انى همست للأشجار أن ترحمنى من عذاب لا أعرف مداه ، وأيام لا اعرف كيف أعيشها ، وليالى كيف يُغمض لى الجفن فيها . يارب ارحمنى ، وييسر لى طريقى ، خُذ بيدى أن كان لى فى هذا الوطن خير ، وأهدنى الى الطريق المستقيم ..
تتمايل أوراق الشجر ، ولحفيفها نغم .. وجاءت نسمات الفجر وكعادتى دلفت الى المحطه وهنا طلبت حقيبيتى ، غيرت ملابسى ، وعلبة سردين ، وفارق كبير فى ڤيينا بين السبت والأحد ويوم الأثنين .. الأثنين اول الأسبوع فى ڤيينا حركة ، ونشاط ، وازدياد فى عدد الناس ، السبت والأحد سكون ، وثبات . فارق كبير كأن اموات عادوا الى الحياه .. هيا نجرب حظى .. وكانت لغتى الانجليزية هى سلاحى الوحيد . والبحث عن عمل هو المطلب الوحيد .. عشرات المتاجر طرقت ابوابها ، ومحلات ملابس ، وشركات .. كُنت اقدم الباسبور ، والاقى هز الكتف ، وأحيانا قطعة صغيرة من الشيكولاته ، والنَّاس لا يتحدثون الا الألمانيه ، وابتسامه وهز اكتاف ، ومن يعرف الانجليزية يسألني فاعرض عليه جوازى المصرى فيقول لى No . والبعض سألنى عن تصريح عمل ، والبعض أشار لى على خاتم على الفيزا ( ممنوع العمل فى النمسا ) والبعض قال لى انت سائح ، ولا عمل للسياح ..
اقتنعت تماما .. أن الطريق الى العمل مسدود فى ڤيينا الا من ثلاث لا اعرف تفاصيلها .. الورد ، والاعلانات ، والجرائد .. وعدت الى الحديقة أُناجـيها ، أو أشكو لها حالى .. وطلعت الكتاب استرجع شويه المانى ، وانا كتبت شويه كلمات فى اوراقى ، ورجل يطوح أمامى وفى يدة حقيبة بلاستيك تصطدم منه فى عامود فسمعت صوت كسر زجاج ، فألقى بها فى سله الطريق ، فقلت هذا ضرب من الجنون ، وإذا بحقيبة BILLA البلاستيكية فيها خيرات الله فقط برطمان زيتون أنكسر فألقى بالحقيبه ومافيها ، ولم اجدد غضاضة فى الاستفادة بكل مافيها من خُبُز ، ومربى ، وجبنه ، وبسكويت ، وألقيت مالا أعرفة على الكرسى لعل احد يستفاد به .. وكل شيء مغلف .. جزاك الله خيراً .. لملمت حالى ، وهرولت الى بائع الجرائد .. قلى كيف السبيل الى بيع الجرائد .. ياااااا اولا لازم يكون معاكMeldzettel ( إثبات سكن ) وهناك جريدتان اما KronenZeitung أو Kurier أهم خطوة السكن .. طب مفيش سكن عندكم ،، سوف اسأل لك ، وأين تسكن فى الحى 18 ...
وباقى على تأشيرتي السياحيه 18 يوماً ... وتنتهى ...
توالت الأيام والليالي ، وانا مابين الحديقة ، والمحطة ، والتنزهة فيما حولهما من شوارع ، ومحلات ، أتفرج ع الناس ، والدنيا .. على ظهرى استهلاكى اليومى من طعام وشراب ، وملابس استبدلها حينما يتغيّر الطقس ، مابين جو بارد ، أو أمطار غزيرة . هربت مرة من بوليس بدون زى رسمى أخرج لى ميدالية وعليها نسر حينما قال لى باسبورت ، ولا اعرف كيف اختفيت ، ولماذا أصلاً هربت ، وكنت أحيانا افشل فى العثور على مكان للنوم فى الحديقة ، فأعود واقفاً عند المحطه مرتعشاً من البرد ، ماعُدت اسأل نفسى عن الأمل ، والغد ، وانتظار أُمى ولهفتها وخوفها على ّمن الضياع ، الأيام تتوالى ، والليالي تمر ، وتأشيرتى السياحية أيامها فى تناقص ،
ولا أدرى من عاقبة الأمور شيء .. واظبت كل ليله على لقاء بائع الجرائد المصرى الذى أعطانى الاهتمام ، والأمل ، وكنت أفهم منه مامعنى بائع جرائد ، ومواعيد العمل ، وكيفية حساب الأرباح ، وترجيع الجرائد ، وكيفية مواصلة العمل ، ومتطلبات الحياة ، وذات ليلة قال لى ، اعمل حسابك اخلص بيع جرائد ونلتقى عند الساعة 11 وممكن تسكن معنا فقد سافر اليوم واحد مصر ومكانه اصبح فاضى ،
حملت حقيبيتى من الامانات ودفعت ماستحق عليها من شلنات ، وطبق صاحبى جاكيت البيع مع الجرائد فى شنطة بلاستيك وهيا معاً الى السكن ، هُس ، هُس الناس تنام لانها تصحو عند الرابعة للجرى عاى اماكن بيع الجرائد ، والصبح هتلاقى عاصم يكلمك على كل حاجة ،
وضعت حقيبيى بقرف ، وأخرجت من حقيبيى ما وضعته على السرير حتى أتقبل النوم ، شقة ارضية فى الحى 18 Lacknergasse رقم البيت 81 سراير متراصة ، كعنبر فى مستشفى ، مابين السرير والسرير نصف متر فراغ ، بصراحة تضايقت ، وما عرفت فى الساعة بديل ، والتأشيرة تقلل أيامها مع الايـام ، والخوف يتردد فى الصدر ، ماذا عساك يا نفس فى حاضر الأيام .. انها غرفة كزنزانه .. وأزعجنى تشخير ، لا يزعج أحداً فكلهم من التعب نائمون ... ولا يشعرون
الأستاذ / سيد الحدقي
النمسا
حقوق الملكية الفكرية محفوظة للكاتب ولموقع طوخ المعمورة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
شارك برأيك