رواية: من طوخ إلى النمسا...أيام لا تنسى (6)
أستيقظت على ضجيج ، وأصوات متداخلة ، وتزاحم امام الحمام ، وهرولة من المكان ، وهذا المنظر يتكرر يوميا للاخوة بائعى الجرائد .. وخلت الغرفة تماما الا منى ، وعاصم .. أحضر لى كوب شاى ليكون أول كوب شاى منذ وصلت ڤيينا ، وقدمت له كعك وبسكويت .. فقال لى أخفية والا التتار ما أبقوا منه شيئا ، هو رئيس الغرفة والمسئول الوحيد عما يجرى فيها ، سريرة عالى يجاور النافذة ، أشعل سيجارته وأخذ يغنى لعبد الحليم حافظ
أجعلنى أية فى ضمير كل حر بصوت حزين كله احساس ، فضحكت ، وبدأ الخوف يتبدد .. وراح يقول لى الايجار 1.000 شلن . للفرد .. واتفقنا على تسديد الايجار بشكل يومى فقط 30 شلن يوميا . حقيبتى كنت ادفع عليها 8 شلنات ، أضف عليهم جُثتى 22 شلن للنوم ، وتفهم الظروف لا عمل ، اخرج Meldzettel وأخرجت جواز سفرى وراح يكتب أسمى وتاريخ ميلادى والجنسية وعنوان السكن ، واخرج علبتان سجائر وخرج معى الى فناء البيت حيث دق على نافذة ، طلت منها أمرأة ثمينه ، 300 كجم ، يكاد صدرها يسد النافذة ويتدلى أعطاها القلم ، والسجائر ، ووقعت على تسجيل البيانات ، البوليس امام البيت ذهبت اليه بورقة التسجيل والجواز ، طابق البيانات ، وختم ، واحتفظ بنسخة وأعاد الى النسختين .. نسخة أخدها الشيف عاصم ، ونسخة معى فى قلب الجواز
وعند الفجر تكون امام جريدة الكورير التى تناسبك الان تحاول تأخد مكان .. انا الخامس فى الحجرة ، معنا عبد المسيح ، ومجدى مسيحين ، ومعنا جمال الذى عرفته سابقا . تجاوزت ضيقى ، وقلقى ، فالغرفة لا تختلف عن الحديقة الا فى حمايتها لى من البرد ، والمطر . عند الفجر صحوت معهم ، وخرجت معهم هم الى اماكن بيع الجرائد ، وانا الى مقر الجريدة التى وصفوها لى ، باب مُغلق امام طرقة مستطيلة ، وزحام من الشباب من جميع الجنسيات ، مصريه ، هندية ، أفريقية ، باكستانية ، ضجيج ، واختلاط لغات مختلفه ، وترتفع كل يد حاملة الجواز وأثبات محل السكن ، الاعداد تتزايد ولازال من الوقت ساعتين ، وكلما لاح لنا خيال بشر نمساوى ، تعالت الأصوات Bitte وتعنى من فضلك ، تسمعها بيتا ، تسمعها يا بيتا ، ويختفى الشبح الذى يراقب وجودنا ، والأعداد تتزايد ،
وخرج شوبيرت ضخم الجسد ، ومعه هوبرت .. هوبرت اختار احمد النيجيري لشكله الغريب ، وشوبيرت أخذ جوازى وفتح صفحة التأشيرة واغلق الجواز وأعاده لى بعصبية ، وبلغة انجليزية معناها على الأقل تأشيرة 21 يوم وانا عندى 14 يوم فقط وهذا لا يعطينى الأمل فى وعد بالعمل .. أغلق الباب وسط صيحات الناس على اختلاف لغاتها .. بيتا ... بيتا .... بيتا ...Come to- mmoro.....
رجعتُ الى السكن حزينا ، فما استطعت الحصول على وعد بالعمل برومييس تكيت Promise Ticktt ولن احصل بالتالى على كارنيه بائع جرائد Ausweis.
كارنية بائع الجرائد |
الزحام رهيب ، وتتعالى الأصوات بلغات هندية ، عربيه ، انجليزية ، ولغات عديدة . ووسيلة التخاطب هنا الالمانية التى لا احد يجيدها ، والإنجليزية التى تتفشى بيننا ونعرفها . تلقفنى عاصم ، ولا يهمك خذ الجاكيت بتاعى وهذا عنوان استلام الجرائد المسائية وهذا عنوان مكانى ولك نصف الأجر وعمولة بيع الجرائد والبقشيش ، حافظ على المكان لا تغادره قبل العاشرة مساء ، وعاصم هذا لا يدفع ايجار وإنما عيون صاحب الحجرة وجمع الايجار ، أمامها حجرة اخرى ، والنَّاس فى اعمال مختلفة جرائد ، ورد ، إعلانات . بائع الورد يشترى ربطة الورد وغالبا الأحمر الجميل ، ويلف بها على المقاهى ، والبارات ، وعلب الليل ، والحانات الضخمة ، وسعر الورده يختلف باختلاف الزبون ، وتختلف من مقهى الى مقهى ،
ولا تستطيع الدخول الى اى مكان فهنا مافيا فى بيع الورد ، ومايتبقى من الورد يمكن وضعة فى جردل ماء ليُباع فى الليلة الثانيه .. فبيع الورد لا يصلح الا بعد غروب الشمس ، بين المحبين ، والعشاق .وفارق السعرين فى جيب بائع الورد .. عمل حر ، احيانا البوليس كان يعاكسهم . اما موزع الإعلانات فيذهب الى مكتب يعطية خريطه فى حى وكميه من الإعلانات ، كلما زادت كميتها زاد ربحة ، وعليه كنترول لو اتصل المكتب بشقة لم يذهب اليها الإعلان خصم من اجره ، والاجر غير ثابت ، ويدفع بالتقسيط ، ، وتطرق على بيوت ، وإرهاق صيف، وشتاء فى جر عجلة الإعلانات الثقيلة ، والمدفوع تأمين لها .
واما الجرائد فى ڤيينا فانحصرت فى اهم جريدتين KronenZeitung وهى جريدة يوميه ، اجتماعية ، محبوبه ، سهلة الفتح ، منتشره ، وتباع بسرعة ، وزبونها يدفع بقشيش ، وأ ما الجريده الثانيه فهى Kurier مبيعاتها قليلة ، سياسية ، صعبه فى فتح الصفحات ، محتاجه مكان كبير ، زبونها لا يدفع بقشيش الا قليل ، وهناك جريدة die Presse وهى توزع فقط فى الحى الاول وعلى المقاهى فهى سياسية بالمقام الاول الذى يوزعها يستفيد بفيكسم ( اجر ثابت ) وعمولة لكل جريدة عددها مثلا 15 جريدة يوزعها على بائعى الجرائد فى الحى الاول كى يبيعونها مع جرائدهم، ويجمع ثانى يوم مالم يُباع بالامس .
الشباب فى الحجرتين ، كل حسب همة ، جاكيت وشلنات ، وجرائد .. ذهبت يوما الى جريدة KronenZeitung كان الهنود والمصريين يفترشون الطريق ، وخناقات ، وتحتاج ايام متواصله تنام هناك ليل مع نهار حتى تتمكن من الوصول الى الشباك ، وتدفع تأمين وكل مكان له نسبة بيع لازم تحققها والا تُخصم على حسابك ، وترجيع الجرائد أسبوعيا ، وتصفى حسابك كل أسبوع اما لك او عليك . والشيف احيانا يخصم لك جرايد بدون أسباب .واما جريدة Kurier فهى حساباتها يوميا ، لا تتقيد بنسبة بيع ، إعلاناتها كثيرة ، وثقيلة ، وساعات عملها تزيد ساعة كامله فى الوقوف للبيع ، ولا تحتاج تأمين ، ويمكن أن تصفى حسابك فى يوم واحد دون انتظار صدور شيكات بعد أسبوع ، وهى تناسب الطلبه ، واصحاب جواز 6 شهور مثلى . عُدت من مكان عاصم فى الساعة 11 مساء ، خُد حسابك ، وهات حسابى وأعطيته 30 شلن ثمن ايجار السكن كما اتفقنا باليوم ، لُقمة وقطعة مربه ، وكوب ماء من الحنفية ، وع السرير والنوم لامفر من الذهاب مبكراً ، وتكرار المحاوله للحصول على البروميس تكيت يااااااااااااااااااااارب
الأستاذ / سيد الحدقي
النمسا
حقوق الملكية الفكرية محفوظة للكاتب ولموقع طوخ المعمورة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
شارك برأيك