حمدي غالب: هنا الكويت (13) : حوش
الفلاسفة
إن كنت تسير علي عشب وحذائك ضيق، فماذا أنت
بفاعل؟ ستخلع حذائك وتسير حافيا بالطبع، ولكن ماذا لو كنت تسير في صحراء رمالها
كأنها جهنم، ستجرب السير حافيا تارة متحملا حرارة الأرض ثم تنتعل حذائك الضيق محتملا
ألم قدميك ليحميك من الأرض الحارة، وتواصل الخلع والانتعال وأنت تقتفي اثر سراب يبتعد
كلما أقترت منه. هكذا يا ولدي هي الغربة، ستتقلب بين عذاب الفراق في الكويت وضيق العيش في الوطن.
هذه هي احدي عظات الفيلسوف الحكيم
"المعلم جمال" وهو ينصح أحد القادمين الجدد إلى الكويت، والمعلم جمال يعمل
"بناء"، قصير القامة ذو لسان فصيح، يهوي التحدث "بالنحوي"،
كلمات فصحي اكتسبها من حفظه لبعض سور القران الكريم، درس في المدرسة الابتدائية
لمدة "4" سنوات فقط ثم اجبره والده علي ترك التعليم ليساعده في أمور
الزراعة، وكان كلامه المنمق وأسلوبه السلس يجتذب المستمعين، ولكن بالطبع لم يخلو
من بعض الشطحات و"الفلتات" ومن أبرزها بأنه لولا أن أباه أخرجه من المدرسة
لكان صار راوي حديث كأبي هريرة.
"اخرم الجزمة من قدام، وبكدة متمشيش
في القيالة والجزمة توسع ولا تسببلك أي الم ولا يحزنون"
كان هذا رد الفيلسوف الثاني ساكن الغرفة المطلة علي الشارع والذي كان
يهوي دائما إحراج جاره المعلم جمال، وعدم ترك المجال له "ليتمنظر"
بكلماته الغراء في صحن الحوش، وكان كلاهما مع آخرين من قاطني الغرف الأخرى في
الحوش في جدال مستمر حول كل شئ حتى استحق حوشهم عن جدارة لقب "حوش
الفلاسفة".
والفيلسوف الثاني من نوعية مختلفة، فهو لم
يكتب علي لوح ولم يذهب لكتاب ولا مدرسة طبعا، علمته الدنيا، وهو الذي زجه اليتم إلي
سوق العمل وهو ابن التاسعة، عمل في جميع أنحاء القطر المصري من الإسكندرية إلي أسوان،
قبض بالنكلة وبالدينار، وإذا أحضرت الرمال والزلط التي "شونها" وحملها خلال
حياته قد تبدو كصحراء وجبال، عزيمته تأتي في الدرجة الأولي من صبره وإيمانه بأن الله
هو الرزاق، علي مر حياته لم يقتني أكثر من جلبابين في نفس الوقت، والقليل من الملابس
الداخلية، فكان لزاما عليه بعد الإنهاء من العمل أن يبدأ بغسيل "غياره "
ليرتديه ثاني يوم.
الحاج عبد الصبور هو احد قدماء المغتربين من
البلدة، من أولائك الأوائل الذين قدموا فور اكتشاف النفط في الخليج العربي، غربه طويلة
يعتبرها هو "ناجحة" وان سر نجاحه انه راجل "سيدا" أو دوغري، كان
يقطن عند قدومه في المرقاب، يتشارك معه 15 شخص في غرفة لا يوجد بها جهاز تكييف ولا
صنبور مياه، ولا ثلاجة ولا غسالة ولا حتى أسره، فقط لكل منهم فرش صغير يفترشه عندما
ينام. ثم تم تهجيرهم قسرا بأوامر حكومية من منطقة المرقاب "اللي أصبحت بندر صح
وصحيح" علي حد وصفه إلي منطقة شرق، وتكررت المعيشة وأسلوبها وتكرر التهجير، ثم
وصل إلي حيطان ق 4 ، وظل بها منذ ذلك الحين حتى تاريخه، يأتي من العمل، يغسل هدومه،
يتناول عشائه، ويجلس في بهو "الحوش" يدخن سيجارته ويقص علي الآخرين بعض من
قصص صبره وكفاحه، يقصها ليس فخرا وإنما ليقضي الوقت حتى تأتي ساعة نومه.
نستكمل في المرة القادمة إن كان في العمر
بقية
هنا الكويت: تمهيد
هنا الكويت (1): مسقط الرأس (1)
هنا الكويت (2): مسقط الرأس (2)
هنا الكويت (3): الحاج عبد المقصود
هنا الكويت (4): عبد الرزاق
هنا الكويت (5): الحاجة ام الدنيا
حمدي غالب يكتب: هنا الكويت (6): صلبوخ
حمدي غالب يكتب: هنا الكويت (7): قلب موجوع
(1)
هنا الكويت 8: قلب موجوع (2)
هنا الكويت (9): العدم ممانعة (1)
هنا الكويت (10): عدم الممانعة (2) أبو النورس
هنا الكويت (11): غفوة شوق
هنا الكويت (12) : قطعة 4
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
شارك برأيك