السبت، أغسطس 08، 2015

حمدي غالب يكتب: هنا الكويت(18): أمور جدية 5- أخيرة

عارف يا أستاذ حمدي، لما قالوا لازم العزاب يمشوا من المرقاب ويروحوا يسكنوا في خيطان، انا ساعتها مكنتش عارف فين خيطان دي اصلا، وقعدتنا نتمشوا انا واحد تاني من المرقاب لغاية موصلنا خيطان مشي، .....رحمك الله يا حاج فهيم التهامي، احد المحاربين الشرفاء حيث غربتهم وكفاحهم هو الذي يجبرني علي مواصلة كتابة "هنا الكويت"

حمدي غالب يكتب: هنا الكويت(18): أمور جدية 5- أخيرة


ولكن وعلي الرغم من جدية الموضوع، ورغماً من اشتياقه لسماع صوت زوجته إلا أن عبد الصبور لم يستطع أن يقاوم النعاس، التعب الذي ألم به من الغسيل والطبيخ طرحه أرضاً، وجعل جفونه المثقلة بالنوم تغلق "بالضبة والمفتاح"، وعبد الصبور كمعظم الطيور المهاجرة لا تأتيه الأحلام بتاتا، ففترة النوم بالنسبة لارواحهم هي فترة وفاة حقيقية، إلا في بعض الحالات النادرة "وكل فين وفين"، ويكون الحلم كابوسا، وهو كابوس كل المغتربين،  كلاب سوداء تحوم حول ثور يدور في ساقية ، إن توقف لحظة عن الدوران مصمصت عظامه.


استيقظ عبد الصبور متاخرا مرة اخري، تخلف عن جمع الكادحين في ذلك اليوم، خرجوا جميعا وبقي هو منفردا، وتكررت احداث الامس: أعد لنفسه الشاي، ومد يده تحت سريره واخرج كيس "الفصاص"، وغمز واكل، ثم ملأ الكوب مرة اخري، ثم غمز واكل حتي امتلات بطنه ، ثم امسك "بهوز الشيشة، واخذ يشد وينفث، وجاءه الحاج ايوب الذى مازال في حيرة من أمر عبد الصبور، ولكن أيوب اليوم اكثر اصرارا من الامس لمعرفة ما يؤرق عبد الصبور، الشئ الذي جعل "الحصان القوي" يكبو مرتين متاليتين ويتخلف عن "اكل عيشه" يومين متعاقبين.


أيوب: علي الطلاق تلاتة الموضوع فيه إن، يبقي عبدالصبور ميطلعش يوميتين ورا بعض، مدخلاش نفوخي خالص. قول يا صاحبي ده احنا لو مفضفضناش لبعض نموت في الغربة هنا.


عبد الصبور: صباح الخير يا حاج أيوب، تعالي قعمز ، انشاءالله خير. الامور تمام الحمد لله


أيوب: وثب علي المقعد المجاور لعبد الصبور، وتربع، ووضع كف يده اليمني تحت ذقنه، وسلط نظراته علي عيون عبد الصبور، ونظر اليهما نظرة الملهوف، ثم حام وزام "ايوة قول طيب عشان نطمن"


عبد الصبور:  والله بالمختصر المفيد، انت عارف ان انا جيت الكويت من حوالي 18 او 19 سنة، بس عمري ما حسيت نفسي سئمان زي دلوقتي، حاسس نفسي مخنوق، زي اللي فيه جتيمة ماسكة زمارة رقبتي، (ثم صمت ليشد نفس شيشة)

ايوب: يبقي عايز تروح يا حاج، انت ليك بدري جيت

عبد الصبور: لا ابداً مكملتش السنتين حتي، مش لسه جاي عبناول،

ايوب: اومال مالك طيب

عبد الصبور:  الموضوع اني باكلم البيت صدفة، لقيت المرة بتقولي في موضوع ضروري عايزة تحكهولي، ولسة حتقعد تحكي، راح الكارت خلص (ثم صمت مرة اخري ليشد نفس شيشة).

ايوب: ايوة صح ، ساعات الكروت كدة تطلع المصارين، والكرت يعمل بلعاني، لم يكون الموضوع جد، تلاقيه كلمة والتانية وراح خلص.

عبد الصبور: بس يا حاج ايوب، رحت راجع علي طول، ورحت البقالة اجيب كارت تاني بسرعة، لقيت الواد الهندي ابن المكحوت، والواد تناحة الدنيا فيه، اقله يمين يقلي شمال، في الاخر كنت حاكفكفه والله، وقال في الاخر يقولي "بتغشمر يا صديق قال" (نفس شيشة اخر)

ايوب: يدق ابو اللي جابهم كلهم، يقول معجونين بمية تناحة ولاد الكلب

عبد الصبور: بس يا حاج ، اشتريت الكارت، ورحت رجعت للكابينة وكلمت الجماعة مرة تانية، لقيتها لسة قاعدة مستنياني هناك ، وقالتي علي الموضوع اللي كان مفاجاة قوي، وبعدين قالتلي حنبعتولك شريط ما الواد ابو النورس، نقولولك فيه علي كل حاجة، (صمت عبد الصبور وقت اكثر هذه المرة لتغير تبغ حجر الشيشة المحترق)


ايوب: ايوة مانا حاسس بيك من امبارح، وكنت عايز افتح معاك الموضوع، بس راح جمال واكل ناسه طب علينا زي القدر المستعجل.

وما كاد يذكر اسم جمال حتي جاء المعلم جمال من الخارج قائلا


المعلم جمال: السلام عليكم ايها الجمع


ايوب: لا اله الا الله محمـد رسول الله، والله لو افتكرنا خمسين فلس مكنتش جات دلوقتي، جاي ترقل يا خوي بكوتشاتك دي

المعلم جمال: داهية في وجهك العكر، انا أدري أن قلبك ملئ بالسواد وهو كالحجارة او اشد قسوة.


الحاج عبد الصبور: "بعد أن أعاد تعبئة حجر الشيشة بتبغ جديد"
صلوا علي النبي يا جماعة، (ثم دخل المعلم جمال لغرفته) بس يا حاج ايوب، جاني الشريط امبارح علي القهوة، وجيت الغرفة والجماعة مكنوش قاعدين، رحت جبت المسجل وقعدت اسمع (نفس شيشة)

ايوب: مصلحة انهم مقعدينش، وبعدين


الحاج عبد الصبور: بس بعد السلامات، والكلام اللي بالك فيه ديه، قالتلي علي الموضوع، بس بصراحة خدتني نومة، ومكملش الشريط، ولما صحيت قلت لما افطر واشيش وادخل اكمل، بالاذن عاد، حادخل واجيلك تاني.

ايوب: طيب استني، قلي علي الموضوع وبعدين خش كمل 
براحتك


الحاج عبد الصبور: لا استني لما استفهم الاول وبعدين استشيرك ضربة مر


ايوب: براحتك، هو بدال جيه جمال بخلتقه العكرة دي، كل شوية يروح يشخطها ويجي يترب من الساعة 9 الصبح عامل زي جمل النبي، امه عماله تدعيله ياخي، وانا اللي مسكين امي ماتت، في سبيل الله يا امي في سبيل الله

المعلم جمال: يالك من رجل خرف العقل، الان تتذكر امك يا عاق الوالدين


ايوب:  انا عاق اللي جاك حكيم، والله ما قصرت معاها في حاجة، كنت كل نزله اخدلها في القماش المطوي ، والقطيفة والطرح، وكانت تقولي يا ولدي روح ربنا يفرجها في وشك روح ربنا يرزقك.
 ولما سمعت سمع من برة بس ان المرة مش مريحاها والله بعت شريط مخصوص مسكت فيه المرة وبستفتها، بس الشريط كان المشال نازل باز فوصل البيت وكانت امي ميتة ليها اسبوع. عليها رحمة الله.

سرح ايوب بخاطره في روح امه المرحومة، وصمت عن الكلام، وكانه يحاول التركيز ليتذكر وجه امه، فخلال ال24 سنة غربة لم يرها غير بضعة شهور، لن يزيد اجمالي الشهور أبداً عن 24 شهرا.


رجع عبد الصبور ولاحظ العبوس علي وجه ايوب، فبادره بالسؤال


عبد الصبور: مالك يا حاج، قلبت ليه كدة، ثم صاح مخاطبا المعلم جمال "عملتله ايه يا جمال

المعلم جمال: لم افعل له شيئا مطلقا، ولكنه تذكر المرحومة امه، ومعها تذكر شبابه الضائع في الغربة في بلاد الناس، بعيد عن الديار، ترك امه قوية، وسمع انها توفيت بعد يومين من وفاتها. ان لله وان اليه راجعون

الحاج عبد الصبور: خلاص يا حاج وحد الله، يعني احنا مش مجبرين علي القعدة والغربة ولا هي بخطرنا يعني ، نتلقحوا في بلاد الله،
المهم ياسيدي، مكملتلكش انا


ايوب: والله ياخي انا عارف الكلام ده، ايه اللي رماك علي المر قال اللي أمر منه، بس الواحد ساعات تصعب عليه نفسه، يعني انت خابر انا اول مجيت ، والله المقاولين كلها كانت تتعرك علي، والجدع اللي يحجزني لشغلانته قبليها باسبوع، كان الواحد عفي وبصحته، وامنا كانت تخلب لينا من وش المجور وتدينا، اما دلوقتي شوف، ولا مقاول راضي بينا، وامنا ماتت، والعيال تنزل تشخط في عيل منهم يروح قالب ليك رقبته عاد لولا الملامة عايز ياكلك.


الحاج عبد الصبور: خلينا في الجد دلوقتي


ايوب: وهو فيه جد اكتر من كدة، عمرك بيسحب منك، واحنا شغالين زي التيران في السواقي، الفقر عمال يجري ورانا ، واول ما الواحد يبطل يوم واحد، عايز يتلم علينا يمصص عضمنا، وترجع غسيل وطبيخ، وتروح تكلم عيالك كل فين وفين لما يجيلك الشريط، امي ماتت ما اعرفش الا بعديها بيومين،


الحاج عبد الصبور: المهم عاد متقلبش المواج عاد


ايوب: بكرة تحس بكلامي لما تبقي في سني

الحاج عبد الصبور المهم انا عايز اشاورك في الموضوع


ايوب: قول يا عبد الصبور


عبد الصبور: بتي جايلها عريس

ايوب: الف الف مبروك يا عبد الصبور

الحاج عبد الصبور: بس انا مخابرش اوافق ولا لا

ايوب: فيه مانع يعني، العريس فيه حاجة تعيبه

الحاج عبد الصبور: لا مفهوش

ايوب : اومال ليه مش عايز

الحاج عبد الصبور: لا ابد بس البت اصلك عايزه تكمل تعليمها ومش عايزة تتجوز دلوقتي

ايوب: كلام جديد ده والله، طيب خلي امها تحاول تعقلها ولا حاجة

الحاج عبد الصبور: امها قالتلي في الشريط انها حاولت مع البت، بس قلتلها يا امي انا عايز اكمل تعليمي عشان حياتي متبقاش زيك،


ايوب: شوف البت قليلة الادب، كيف يعني


الحاج عبد الصبور: مش عاجباها حياة امها، ليه مخبرش!!

ايوب: اغصب عليها طيب


الحاج عبد الصبور: ابدا والله ماغصب عليها في حاجة، خاصة في الجواز، بكرة وبعده تقعد تدعي علي، احنا متغربين يا حاج ايوب وحرمين نفسنا من الدنيا عشان عيالنا، سيبها تختار اللي هي عايزاه وربنا يصلحلها الحال انشاء الله

نلتقي في المرة القادمة ان كان في العمر بقية
أ حمدي غالب

هنا الكويت: تمهيد
هنا الكويت (1): مسقط الرأس (1)
هنا الكويت (2): مسقط الرأس (2)
هنا الكويت (3): الحاج عبد المقصود
هنا الكويت (4): عبد الرزاق
هنا الكويت (5): الحاجة ام الدنيا
هنا الكويت (6): صلبوخ
هنا الكويت (7): قلب موجوع (1)
هنا الكويت 8: قلب موجوع (2)
هنا الكويت (9): العدم ممانعة (1)
هنا الكويت (10): عدم الممانعة (2) أبو النورس
هنا الكويت (11): غفوة شوق
هنا الكويت (12) : قطعة 4

هنا الكويت (13) : حوش الفلاسفة
 http://toukhqena.blogspot.com/2014/10/13.html

هنا الكويت (14) : أمور جدية
http://toukhqena.blogspot.com/2014/12/14.html
هنا الكويت (15) : أمور جدية 2
حمدي غالب يكتب: هنا الكويت (16) أمور جدية 3
 هنا الكويت (17): أمور جدية 4



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شارك برأيك